13 Jul
13Jul

أ.د. عقيل مهدي يوسف

 في مسرحية: (وين رايحين) تأليف: خالد جمعة وحيدر منعثر،اخراج: حيدر منعثر..اجتمعت في بنية العرض، مجموعة طباع بشرية، متضادة ومتنافرة الوعي، والمذاهب، بـأسلوب (تراجيدي كوميدي)، هادفاً إلى رصد التحولات السياسية والاجتماعية في فترة زمنية محددة من تاريخ العراق المعاصر، حيث يرى (الجمهور) على منصة المسرح حافلة لنقل الركاب فيها (إمرأتان) و(نحات) يقودهم (السائق) الى أفق مجهول في الصحراء، وتظهر في (الخلفية) لقطات سينمائية، سريعة، ورسومات (الفنان مؤيد محسن)، بمشهد استهلالي، ثم يبدأ العازف (وسام بربن)، بموسيقاه، وتجلس تلك الشخصيات على (مقاعد) باتجاه الجمهور، وأخرى باتجاه مخالف إلى الوراء، بوصفها (منحوتات) بشرية أنجزها النحات وهو يتأمل إمرأة شابة، ويقارنها بمنحوتته التي استقرت بقربها، ويثار لغط بينهما، وتتدخل المرأة العجوز، ويبدأ (النحات: تمثيل لؤي أحمد)، بأداء كوميدي، مع المرأتين، وبذلك يتضاعف الأسلوب الاستعراضي، في جو العرض العام.. وبظهور (قائد الحافلة)، الذي تتعطل حافلته في ظلام دامس، وصحراء قاحلة، ليضفي بعداً استعراضياً جديداً (جامعاً) بين (الخوف) لدى الركاب، و(الهزل) في تقديم شخصيته، في حواراته، المتذبذبة هذه، ثم يخبرهم، بأن (عطل) الحافلة بسبب ثقب في خزان الوقود! حاول (المخرج) أن يركّب عناصر العرض، بتناغم مع قدرات الممثلين، تارة بمواقف (ساخرة)،(تمثيل لمياء بدن)، بطريقة مبهرة، وأخرى (حزينة) (تمثيل زهرة بدن)، بأداء احترافي متقن، وساهم (سائق الحافلة)، (طلال هادي) ومعه (النحات) (لؤي أحمد) بحضور (أدائي) لمواقف، تبدو وكأنها (مرتجلة) بعفوية وحذاقة جذابة (للمتفرجين)، فهي قائمة على خبرة ودربة في ما يتطلبه الأداء (المأساوي)، و(الساخر) في آن واحد بوسائل تعبيرية، وما تتطلبه، تقلبات (أقنعة) الممثل (الكوميدي) و(التراجيدي) معاً تبعاً لمواقف درامية، يتطلبها (المشهد)، من عفّة وبراءة، وأخرى من أحقاد وضغائن، وسرعان ما يدهم المشهد (إرهابي) (تمثيل إياد الطائي)، متطرف بروحه الشيطانية، منفصلاً عما يقتضيه (الشرع) من قيم الخير والتقوى والعدل بين الناس!.

 إذ يحتجز (الركاب) رهائن يروم استباحتهم، على وفق (أجندة) مريبة، وهنا يواجه الجميع الذعر والخوف. 

هنا يعمق (المخرج) ثنائية الخير والشر، بين أرواح (نقية)، وأخرى (خرقاء)، بنواياها الإجرامية، ضمن (إطار اجتماعي) معيّن، بطريقة موازية، لما حدث في العراق، بعد الاحتلال، من دمار شامل.

 أراد (المخرج) تحفيز (الجمهور)، بما خبره من عروض قدمها في (فضاء المسرح الشعبي) بنجاح لافت، باستقطاب الجمهور العام، فضلاً عن تجاربه مع (المسرح العالمي) من نصوص مترجمة (باللغة الفصحى)، في هذا العرض، لعب (الزي) دوراً وظيفياً بين (الإرهابي) و(حراسه) و(المحتجزين) الأبرياء.  فظهر (بشكله وملبسه) وبسلوك المتوحش، في علاقته (بالمرأة) التي يبتغي أن يجعلها واحدة من (الأقنان) بغرائزه المتدنية، وبملفوظاته البغيضة. 

تفرّد (الممثلون) بأداء (جمعي) بارع وهم يؤدون شخصيات متنوعة، في (عروض) مصغرة، ضمن (العرض) نفسه، حين يطلب منهم (سائق الحافلة)، أن يقدم كل واحد رؤيته المسرحية، الافتراضية، لما "سيحدث" من مصير مستقبلي (للوطن)، وهكذا تتنوع التفسيرات والتأويلات التي يستعرضونها، بإتجاهات مختلفة.

 ومن مبادرات (المخرج) أنه أراد أن يطلب من كل (متفرج) ان يقدم تصوراته المستقبلية، بتوزيع (أوراق) تحت عنوان (المشهد المفقود) بحوارات ما بين: الملثم والنحات، المعلّم والأم، بعد أن يعود (الثلاثة) إلى (الحافلة) لتستمر رحلتهم في البحث عن (وطن داخل وطنهم).                     

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن