كتب : علي عواد
إعتمد المخرج جبار جودي في إخراج نص (ماكبث) للفرقة الوطنية للتمثيل، بعنوان (حصان الدم)،عام 2007، قراءةً تأويليةً معاصرةً، وضع فيها المتلقي أمام جريمة معاصرة، اغتيال سياسي على الطريقة المخابراتية الحديثة، بأجوائها ومفرداتها وقسوتها وبرودتها(1). وبما أن المسرحية مسرحية الحلم والحقيقه فقد كانت المسافه التي تفصل فيها الحلم عن الحقيقة مسافةً ضبابيةً طيفيةً تهيم فيها الشخصيات (ماكبث، الليدي ماكبث، بانكو، مكدف، دنكن)، وتتسربل بطموحها الملطخ بتخبطها المستمر بأعمال وأخطاء قدرية فادحة، وخطوط ماورائية متشابكة ومتوازية مع خط المسرحية الدرامي المتصاعد.
وانطلاقاً من هذا المعنى الماورائي والروحاني انطلقت رؤية المخرج جبار جودي لتصور تلك العوالم الطيفية، التي تحركها قوى لا مرئية وكأنه حاور أرواح النص القادمة من عالم آخر، عالم شكسبيري يضج بصراخ أطياف بشرية معذبة تحركها أحلامها وتطلعاتها التي دُفنت في أراض قاحلة، بعد أن سحقها بحوافره المسننة حصان الدم، أو الطاغية، بجموحه الفوضوي الخارج عن المعقول والمقروء(2).
وحاول جودي، في عرضه (خيانة) عام 2016، توليف نص من ستة نصوص لشكسبير، بالتعاون مع الكاتب والمخرج صلاح منسي، هي (هاملت، ماكبث، عطيل، الملك لير، يوليوس قيصر، وريتشارد الثالث) لتقديم مقاربة درامية للواقع السياسي العراقي الراهن بملابساته وتعقيداته، ممسكاً بالخيط الرفيع الذي يربط بين الدم الذي يملأ هذه النصوص ونهر الدم المتدفق في البلاد منذ عقود!
وقد راوح العرض، حسب رأي المخرج المسرحي التونسي حافظ خليفة، بين الجو الكلاسيكي والكوميديا السوداء، بين الأصل والفرع، بين التاريخ والواقع المعيش، بين الألم والضحك عليه، بين المسرح واللامسرح، بين الصورة والكلمة، بين اللغة المسرحية والسينمائية، بين أجساد تتحرك وأخرى محنطة بلوحات فوتوغرافية، باستعمال محبك للفضاء في جميع أبعاده، طارحاً مفهوم الخيانة قديماً وحديثاً لقادة وزعماء وأبطال، عبر فضح مباشر إلى حد التقزز والاشمئزاز لما خلفته الخيانات من ويلات ودمار للشعوب، وخاصة للشعب العراقي، من خلال صور (الداتاشو)، التي أظهرته أسيراً تائهاً تحت لهيب الانفجارات والاغتيالات ومعاناة المعيشة، في واقع تحكمه همجية الرجل مع المرأة، والقائد مع شعبه، وحتى الحبيب مع حبيبته (3).
_________________
*مجتزأ من مخطوطة كتاب لي عن المسرح العراق
(1، 2) د. حسين علي هارف، (حصان الدم الجامح). جريدة الصباح، بغداد، النسخة الإلكترونية.
(3) فائز جواد، (أبطال جودي يحبسون أنفاس جمهور الوطني، جريدة الزمان، لندن، 12/18/ 2016.