والده الفنان نزار سليم وعمه النحات جواد سليم
__________________
تجوب نهر دجلة في بغداد مراكب (مشحوف) خشبية يقودها شبان عراقيون في مقتبل العمر دعما لجهود فنان يسعى للحفاظ على هذه القوارب التقليدية التي تعود إلى أيام السومريين.ويؤكد الرسام والنحات رشاد سليم مؤسس جمعية (سفينة) غير الحكومية ضرورة إنقاذ "هذه الملامح الأساسية من حضارتنا التي لا تزال موجودة منذ أربعة أو خمسة آلاف السنين من الانقراض".
والمشحوف هو مركب مصنوع من الخشب يتخذ شكل هلال رفيع ذي مقدمة ضيّقة تعلو عن سطح المياه، وهو حافظ على تصميمه "منذ عهد السومريين" الذين حكموا جنوبي بلاد ما بين النهرين منذ آلاف السنين، وفق سليم.
ومنذ 2018، بدأ الفنان البالغ 62 عاماً رحلة البحث عن آخر صانعي المشحوف في العراق، قادته إلى قرية الهوير بجنوبي البلاد على مقربة من الأهوار، المدرجة على قائمة منظمة اليونسكو للتراث العالمي، ولينتشل من غياهب النسيان هذا القارب المهدّد منذ عقود جراء انتشار المراكب التي تعمل بمحركات، مما دفع رشاد الى إعادة صناعة المشحوف عبر التعاون مع أندية للألعاب المائية أو تأسيس فرق للشباب تعنى بالإبحار على متن المشاحيف.فتجمّع شباب في العشرينات من عمرهم لقيادة 18 من هذه القوارب خلال عرض أقيم كجزء من مهرجان ثقافي.
ويبدي سليم منذ عقود اهتماماً بالثقافة المحلية لبلاد الرافدين، وترعرع هذا العراقي الألماني في وسط ثقافي، فعمّه هو النحات والرسام الشهير جواد سليم، أما والده فهو الفنان والدبلوماسي نزار سليم، وشارك في العام 2013، وعلى متن قوارب تقليدية، في حملة نظمتها منظمة طبيعة العراق غير الحكومية، حيث قطع 1200 كلم في دجلة من جنوب تركيا وحتى أقصى جنوب العراق. ولم تكن تلك المغامرة الأولى التي يخوضها، ففي العام 1977 برعاية النرويجي ثور هيردال كان سليم أصغر أعضاء طاقم سفينة "دجلة" سنا، وهي سفينة ضخمة صنعت من القصب وقطعت 6800 كلم في البحر خلال 143 يوماً.انطلقت تلك السفينة من جنوبي العراق وعبرت الخليج وبحر العرب مرورا بالمياه المقابلة لباكستان وصولا إلى جيبوتي، مستعيدة التواصل عبر البحار بين حضارات بلاد ما النهرين ومصر ووادي السند القديمة.
ويرغب رشاد إضافة إلى المشحوف، في إحياء مركب (القفّة) الدائري المصنوع من القصب ويمكن لقطره أن يتجاوز المترين.لكن التحدي الأهم بالنسبة إليه حاليا هو إيجاد حلول مالية مستدامة أو خطة عمل للحفاظ على مشروعه وضمان "عمل للناس"، فالمشحوف يعد وسيلة النقل الرئيسة بالنسبة إلى سكان الأهوار وضفاف الأنهار، فلا يمكن لساكن تلك المناطق الاستغناء عنه وفي بعض البيوت القروية يوجد أكثر من بلم وبأنواع مختلفة فمنها للصيد وآخر لجلب حشيش الحيوانات، وكذلك يخصص واحد للذهاب إلى الأسواق".
وتتواصل الدعوات الى "الاعتناء بالأهوار والحفاظ على مساحاتها ليبقى إرث سومر حاضراً ويبقى المشحوف بغنجه شامخاً، فهو مثل السمك لا يعيش ولا يعلو بدون الماء"، حيث أن صناعة القوارب في العراق – كما يؤكد الباحث علي العقابي - ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بمياه كل من نهري دجلة والفرات، وتعد الوسيلة الأولى لتنقل سكان العراق قبل خمسة آلاف عام قبل الميلاد، فكثرة المياه في هذين النهرين جعلت الزوارق وسائط لصيد الأسماك والطيور والتنقل بين ضفاف الأنهار أو التنزه بواسطتها، وأن انحسار المياه في الآونة الأخيرة عن الأهوار، جعل هذه الحرفة التأريخية تنجرف نحو هاوية الاندثار، إلا أن البعض من صنّاعها يقاومون اضمحلالها، برغم عددهم الذي بات ينحسر يوما بعد آخر.