06 Apr
06Apr

كتب :عبد العليم البناء

يحفل المشهد السينمائي بحراك غير مسبوق داخل وخارج العراق وبتمظهرات مختلفة ومتنوعة لاتقف عند حدود الإنتاج السينمائي بل تشمل المهرجانات والملتقيات السينمائية، التي يتمخض بعضها عن إصدارات متخصصة تهتم بزيادة الوعي السينمائي وتطوير ذائقة الجمهور، ناهيك عن توثيق هذه العطاءات المتواصلة وترسيخها في ذاكرة الثقافة والفنون العراقية الشاملة، فضلاً عن أن بعضها سعى من أجل تمكين وتعليم المعنيين والمهتمين بالسينما سواءً من الهواة أم المحترفين، لاسيما على صعيد التقنيات الرقمية التي غزت عالم السينما في أدق تفاصيله وأحدثت انقلاباً في شكل ومضمون السينما التقليدية، وأصبحت "من الروافد المهمة الّتي ساهمت في تطور صناعة السينما فنياً، وتقنياً، وجمالياً الى حد كبير بحيث لم يعد أمامها أي مستحيل.." 

وفي هذا السياق يجيء كتاب (الفن الثامن) الذي صدر – مؤخراً - عن الدورة الثالثة لمهرجان بابل لسينما الإنيميشين، للمبدع أنس الموسوي، في سبع وثمانين صفحة من القطع الكبير، وضم خمسة فصول مهمة تتبع فيها تأريخ وأسس صناعة أفلام الإنيميشين. 

أنس الموسوي وهو كاتب، ومخرج، ورسام، ونحات رقمي، وصانع رسوم متحركة، وله 21 فيلماً مكتملاً من حيث الصناعة وبرسوم أصلية، وأطول فيلم رسوم متحركة مصنوع داخل العراق (كلكامش العظيم)، وما يقارب 100 إعلان تجاري برسوم متحركة، وأعمال تلفزيونية (موشن كرافيك) و(إنيميشين)، يعد كتابه (الفن الثامن) – كما يؤكد في مقدمته - أنه يمثل "عصارة خبرة تراكمت عندي لأكثرَ من عقد في هذا المجال؛ الرّسم، والتصميم، والتحريك؛ مما جعلني أتحصل على شيء من إتقان استخدام عناصر اللّغة السينمائية بمختلف أشكالها ومضامينها، لذا عبرت عن تمثلات هذه التجارِب التي خضتها مع مخرجين، وكتاب، وصانعي أفلام بمختلف غاياتهم، ومتطلباتهم، ومزاجاتهم."

تناول الموسوي في الكتاب، صناعة هذا الفن من حيث التأسيس، والنشأة، والشّكل، والتطّور، والأدوات، وتفاصيلها، "منذ بزوغ فجر القرن الماضي حتّى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم مع شرح لأهمّ أنواعه من حيث نوعيةُ الرسوم والصناعة؛ ونوعيّة التّحريك، والتّسجيل الصوري لهذه الأشكال" بما فيها "الأشكال الدخيلة أوِ المشوهة، وتأثيرها السلبي في الفن عموماً؛ سواء كان بالأعمال المحلّية، أمِ العالمية والمرور بالتقنيات، والآليات، والأجهزة.. واستعراض أفكار فنية لا يستطيعها غير فن الرسوم المتحركة."

الكتاب يستعرض التحولات في تقنيات هذا الفن مع أمثلة، ودلالات، ومفاتيح، حيث يسعى مؤلفه لفتح الرؤى لدى المتلقي برؤية مختلفة، وللمختص أن يكبر لديه مستوى الحلم، وتنفيذ مايود إظهاره من رسالة فكرية، أو فلسفية، ويسليط الضوء على "أهمية هذا الفن، وانتشاره، واستخدامه... فقد أصبح التّوأم الأكبر للسينما الأم بكل مميزاتها، وأساليبها، وأشكالها؛ فهو يستطيع أنْ يجسد ويظهر ما لا تستطيع الكامرا تجسيده وإظهاره."
توقف في الفصل الأول عند مفهوم فن الرسوم المتحركة من حيث عمره، ونشأته، وتعريفه الإجرائي، والفصل الثّاني عند الرسم، وأشكاله، وأبعاده، وجنسه، وفئة الرسم القابل للتحريك، والرسم الكاريكتيري، والإعلاني وغيرها. وفي الفصل الثالث تناول ماهية التحريك، وعملية سيره، وتطويره، والأدوات التقنية المستخدمة في التحريك، وغايات واستخدامات التحريك.

أما في الفصل الرابع فانتقل إلى التّقنية التي تمثل المفصل الرئيس في الفنون وتطورها عموماً، والسينما، والإنيميشن خصوصاً، وهي الوسيط القادر على التجديد والتطوير بأساليبه المختلفة، والأدوات الّتي تسخر هذه التقنية في خدمة العمل الفني.

وتطرق في الفصل الخامس الى مجموعة من الآراء الفنية والنقدية بشأن فن الرسوم المتحركة، ومحاولة استبيان المساحة الحقيقية التي يشغلها هذا الفن على مدى تاريخه والتوقعات لمستقبله، الذي سيكون بآفاق أوسع اذا ما قورن بسائر الفنون الأخرى، وهل هو قابل للنقد؟ وهل هو للطفل؟ وهل هنالك نوع أفضل من نوع من حيث التخصص وغيرها من الطروحات، والتساؤلات؟، حيث يرى أن سينما الرسوم المتحركة هي كالكتاب بالضبط، الأهم فيها هو المحتوى أما الجماليات فهي رفاهية مضافة الى المحتوى الأصلي كما يرى، دون أن ينسى التوقف عند سوق صناعة الرسوم المتحركة في العراق.

نتفق مع المؤلف أنس الموسوي فيما أورده في خاتمة الكتاب، الذي تضمن الأعلام، والمصطلحات، وأسماء الأفلام والمقاطع، وجدولاً تعريفياً بالصور، أننا " بحاجة إلى كتب، وقراءات، ومصادر، ونقد حقيقي بناء يخدم هذا الفن الجميل، ويهدف إلى تطوير الطّرق وتعبيدها للأجيال القادمة، والباحثين، والمتخصصين للمستقبل، لكي يكونَ هذا الفن أُساً لأكاديمية علمية تخدم الجانب العملي من أجل تعميق الشكل والمضمون."

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن