13 Oct
13Oct

د. جبار خماط حسن 

استهلال : قراءة نقدية لمسرحية : (تحولات الأحياء والاشياء) للفرقة الوطنية للتمثيل، تأليف : قاسم محمد، سينوغرافيا واخراج : منعم سعيد حسين..المسرح الوطني – بغداد.  طقس حركي- موسيقي ، في فصاء شبه مجرد ، أجساد تبحث عن الحرية المفقودة في عالم الناس فيه أشبه بالدمى ، لا إرادة على التغيير ، هكذا اختار المخرج  (منعم سعيد) وفريقه تقديم  عرضاً مسرحياً متقناً، قوامه سردية الجسد والصوت ، بروح شرقية مقاومة لسجنية الوجود والحروب .

 استعارات بالجسد تعالقت مع الموسيقى العراقية والعربية والشرقية ، ليشكلان نسقا مقاوما لكل اشكال الجبر والقيد . تذكرت الجواهري حين قال : كأن القيود في معصميه مفاتيح مستقبل زاهر مجموعة من الدمى الخيطية مصنوعة بإتقان يغلب عليها اللون الأبيض ، مع تكراره يعطيك إحساساً بأن الدمى تشعر بالملل ، تريد تغيير مصائرها ، بعيداً عن سلطة المخرجة ، او محركة الدمى ، تعلن تمردها ، أريد أن أكون إنساناً ، أشعر وأفكر وأتواصل ، حريتي أصنعها بذاتي ، لا أحد يحركني ، ولدت دمية مسلوبة الإرادة ، قررت أن أتمرد ، أصبح إنساناً ! إن تحويل مقاصد النص إلى شفرات جسد ناطق بالحركة والتكوين ليس بالأمر اليسير، يتطلب دربة ومطاولة تتناسب مع إيقاع الموسيقى ، تفاعلات الجسد بالحركة وإيقاع الرقص التعبيري، أكسب العرض مرونة تواصلية ، فلا افتعال ولا ثرثرة جسدية ، بل وجدنا حساباً ايقاعياً لدى المخرج ، يراقب مساحات الجسد وإيقاعات حركته ، فلا يعمل من دون ضابط دلالي، ساعد في هذا الإتقان اختيار ذكي للموسيقى التي تفاعل معها الجمهور . بلاغة الصورة والمعنى نجدها في مشهد القارب ، يحمل مجموعة من البشر ، رائع جداً ، بليغ في صورته ، صوت المروحية ، إطلاق نار كثيف صوب القارب ، نجونا بأعجوبة! ما أثار بهجة التلقي ، تلك العلاقة الدلالية والجمالية بين الضوء والزي والقناع ، صناعة متقنة من حيث اختيار خامة القماش وتصميم الزي الذي أظهر جسد الممثل / الدمية ، وكأنها في رحلة البحث عن الحرية .

 رحلة الانتقال من الحواس / الظن إلى الروح / اليقين ، إنهم كائنات تحلل الوجود ما بين الوجود الظاهر والوجود غير الظاهر الكامن في أرواح الدمى ، التي تقرر مغادرة الخيوط بوصفها على حركاتهم ، لكنهم بعد قرارهم يعانون من صدمة الواقع وخشونة عوالم الإنسان المليئة بالحروب . هكذا تقرر الدمى العودة إلى وجودهم الأولي ، يعيشون في عالم  يعرفون حياتها وأهدافها ، ينتظرهم الجميع ، يزرعون الابتسامة في وجوه الجمهور ، أطفالاً وكباراً يتفاعلون، لأننا - مجتمع الدمى - نصنع حياة مقترحة ، نسيجها الجمال والفرح ، ننكر الموت وندعو إلى الحياة !

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن