حاوره – عبد العليم البناء
تجري التدريبات اليومية في قسم التربية الفنية بكلية الفنون الجميلة في جامعة بغداد، على المسرحية الجديدة (طائر الوجع) التي هي من تأليف الكاتب عبس لطيف وإخراج الدكتورحسين علي هارف ، وتمثيل الفنانين علي الغزي، وحسين علي هارف، وخالد كشكول، وأداء صوتي الفنانة ساهرة عويد، وعزف وغناء الفنان طلال علي، وسينوغرافيا الفنان عقيل عبد علي، والإشراف العام للدكتور مضاد عجيل الأسدي عميد كلية الفنون الجميلة، والتي سيتم عرضها في إطار (مهرجان حريات المسرحي) الذي تقيمه كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد بالتعاون مع مؤسسة السجناء السياسيين، تحت شعار (كأن القيود على معصميه ،مفاتيح مستقبل زاهر) وتحديداً في اليوم الثاني من المهرجان الساعة السادسة مساء السبت المصادف 9/3/2024على خشبة مسرح حقي الشبلي في كلية الفنون الجميلة في الوزيرية ، وتشارك فيه مسرحيتان أخريان، إحداهما للدكتور ياسين إسماعيل وتحمل عنوان (القافات) وستعرض مساء الأحد 10/3/2024، والثانية (أسد بغداد) للدكتور حميد صابر الذي حاورناه سابقاً والتي ستعرض في حفل الافتتاح مساء يوم الخميس 8/3/2024.
وثيمة هذه المسرحيات ترتكز على عرض معاناة السجين السياسي من الظلم والإضطهاد والقمع والكبت والحرمان ومصادرة الحريات، في ظل عهود وأنظمة مستبدة وبما يجسد ملحمة الوجع العراقي الطويل، ونحاول عبر الحوار مع مخرجيها تسليط الضوء على هذه المسرحيات الثلاث ومعالجاتها وخطابها المسرحي والرسائل التي تنطوي عليها جمالياً وابداعياً وسياسياً ..
وفي هذا السياق كان لنا هذا الحوار مع المخرج الدكتور حسين علي هارف الذي عرف بالعديد من الأعمال المسرحية الرصينة التي تميزت بخطاباتها ومعالجاتها المتماهية مع هموم ومعاناة وتطلعات الإنسان العراقي، فتوقفنا فيه عند محطات متعددة من عمله المسرحي الموسوم (طائر الوجع)..فسألناه ابتداءاً:
* ما الفكرة التي ينطوي عليها العرض المسرحي (طائر الوجع) الذي يجيء في إطار مهرجان حريات المسرحي لكلية الفنون الجميلة لتوثيق وعرض مأساة السجين السياسي؟
- فكرة العمل تجسد صراع القصيدة والأغنية متمثلة بالرمز الشعري والسياسي مظفر النواب، مع السلطة الظالمة المستبدة الغاشمة متمثلة بالحكومات المتعاقبة التي قمعت حرية الرأي والتعبير و المعتقد السياسي، وهنا يكون مظفر النواب رمزاً لسجين الرأي وصوتا للحرية ومثلاً أعلى للإرادة ومقاومة الطغيان والفساد والظلم ..
وفي هذا الإطار سيطرح مظفرنا في العمل تساؤلات واحتجاجات وصرخات.. ففي هذا الوطن الممتد من البحر إلى البحر سجان يولد سجاناً ..
سجاناً يمسك سجاناً..ولا تتسع فيه سوى المقابر والسجون! إنه صرخة احتجاج مدوّية تمثل صوت المثقف الحر سنطلقها على لسان النواب الكبير صرخة ضد الظلم والقمع والاستلاب .. صرخة تجمع بين الألم والأمل.
* وما المعالجة الدرامية التي اعتمدتها في تقديم هذه الفكرة الأصيلة؟
- في هذه التجربة عززت أسلوبي الذي كرسته عبر عروض سابقة (يا حريمة / موجز أنباء الموت/ فرد عود) الأسلوب الذي جمعت فيه بين الشعر والغناء والموسيقى (الحيّة) المباشرة بعيداً عن التسجيل والموسيقى المعلبة ..
سنكون أمام مغني وعازف يقدم لنا على خشبة المسرح وبشكل حي أشعار النوّاب المغناة لاسيما تلك الشهيرة منها والتي تحمل أبعاداً سياسية واجتماعية ووجدانية، إلى جانب اللجوء إلى بساطة الديكور والإضاءة الشاعرية التي تتناغم مع أجواء العرض وحالة الشخصية من خلال اعتماد الفوانيس القديمة التي كانت العصب الأساسي لحياة السجناء في نگرة السلمان.
وتعزيزاً للأجواء الشاعرية استخدمت تقنية خيال الظل في استحضار شخصية الأم، و لجأت إلى استخدام أسلوب الأسلبة في تجسيد شخصية المحقق من خلال الأقنعة وازدواجية الأداء الصوتي.
* وما خياراتك على صعيد الممثلين؟ ولماذا لجأت الى الممثلين المحترفين بتعشيق مع مجموعة من الطلبة ؟
- إخترت الممثل علي الغزي وهو عضو الفرقة الوطنية للتمثيل في دائرة السينما والمسرح لتجسيد شخصية الشاعر مظفر النواب لاعتبارات فنية تتعلق بالمقاربة الشكلية فضلاً عن الأسلوب الأدائي ذي النزوع المونودرامي له الذي يتوافق مع طبيعة الشخصية وحواراتها المنفردة ذات الطابع المونودرامي .
و في مايتعلق بالمغني (العازف) فقد اخترت الفنان الملحن والمغني المتميز طلال علي الذي يجيد الغناء والعزف على أكثر من آلة (عود / ناي / إيقاع) وهذا ساعد كثيراً في تجسيد حالة الشجن التي تميزت بها أشعار النواب المغنّاة.
* وهذا يقودنا الى خياراتك على صعيد عناصر وتقنيات العرض الفنية لاسيما السينوغرافيا وغيرها؟ - في هذا العمل سيتعاون معي السينوغراف د. عقيل عبد علي الذي سبق وأن عمل معي وبنجاح في عرض الدمى (گلگامش الذي رأى) والذي تم تقديمه في مسرح الرواد قبل سنتين .. وهو فنان مثابر ومخلص في عمله ويشيع بيننا أجواء المرح والبهجة.
* في إطار هذا كله ما الرسالة أو الرسائل التي تريد إيصالها عبر هذا العرض؟
- الشاعر المناضل الراحل مظفر النوّاب ورفاقه في سجن نگرة السلمان كتبوا فصلاً خالداً في التاريخ الوطني للعراق .. كلُّ واحد منهم كان رمزاً للسجين السياسي العراقي والثبات على المبدأ..مظفر النواب كان صوتاً للشعر والحرية ومقارعة الظلم والقهر والاستبداد ..
حين كان يكتبُ شعره على ضوء الفانوس في السجن ..
لعله كان يعي أنّ كل قصيدة وأغنية له ستكون فانوساً لنا في دروبنا الملغّمة والمليئة بالأشواك ! أردنا في هذا العمل أن نعرض بعض فصول الألم و الأمل لطائر الوجع العراقي الذي كان يشدو للوطن وللناس ..
وأن نذّكر بتضحيات المثقفين المناضلين الذين قدموا تضحيات في سبيل الناس والوطن .
*وكيف تنظر لإقامة مهرجان مسرحي من لدن مؤسسة تعنى بشؤون وحقوق السجناء السياسيين وبدعم من إدارة كلية الفنون الجميلة ؟
- من الرائع أن تبادر كليتي الحبيبة (الفنون الجميلة) وبالتعاون مع مؤسسة السجناء السياسيين ومؤسسة المدى للثقافة والإعلام في إقامة مهرجان تخصصي نوعي يحمل اسم (مهرجان حريّات المسرحي) انتصاراً للحرية والإرداة الوطنية ورموزها ..
وحين تم استدعائي من قبل السيد عميد الكلية الدكتور مضاد عجيل الأسدي لأكون جزءاً فاعلاً في هذا المهرجان لم أتردد لحظة برغم أنني كنت قد تقاعدت منذ مدة ..شعرت بالفخر وآليت على نفسي أن أقدّم تجربتي الجديدة على صعيد الإخراج بكل ما أملك من خزين معرفي وخبرة فنية.
*وما الذي تتوقعه للعرض ؟
وهل سيتم عرضه خارج أسوار كلية الفنون الجميلة الى المسارح الكبيرة لتحقيق رسالته ؟
- هذا العرض لن يكون الوحيد والأخير إذ سنعاود تقديم العرض بعد شهر رمضان المبارك، وسيكون هناك عرض خارج أسوار الكلية بضيافة إحدى المؤسسات غير الحكومية، إلى جانب طموحنا في تقديم العرض في مهرجانات مسرحية محلية وعربية في الموسم القادم..
لنحلّق سويّةً مع طائر الوجع العراقي الذي كان فكراً ونضالاً ورمزاً للثورة والحرية ومقاومة الطغاة وصوتاً للفقراء والمهمّشين و المظلومين. *كلمة أخيرة ..
- أنا سعيد أن أواصل السعي لتعزيز وتكريس تجربتي المسرحية مع الشعر والموسيقى لاسيما في المونودراما ..
وسعيد أن أشارك في الطبعة الأولى لهذا المهرجان ذي الهدف النبيل والسامي. وسعيد أن أعمل مع فريق عمل رائع تماهى مع رؤيتي الفنية وأسلوبي الإخراجي.