كتب د. محمد سهر
Come live with me أو ( تعال عش معي) فيلم أميريكي كوميدي- رومانسي صدرَ في يناير عام 1941 من بطولة جيمس ستيوارت والفاتنة هيدي لامار؛ يحكي قصة لاجئة جميلة من فيينا تهرب من أهوال الحرب العالمية الثانية التي كانت أوربا تحترق بها؛ وهي تسعى للحصول على الجنسية الأميريكية من خلال ترتيبها لزواج مصلحة مع كاتب أميريكي مكافح..
المتلقي الأميريكي الذي كان يستمتع بمشاهدة أحداث الفيلم كان يخضع لتزييف وعي يتم من خلاله تصوير الولايات المتحدة الأمريكية واحة للأمان، والتقدم، والسلام، والاستقرار وسط عالم مليء بالعنف،والحروب، والديكتاتوريات،والتخلف. وكان المشاهد وهو يدخل صالة السينما الفخمة يشكر مع نفسه الرأسمالية الأميريكية التي جعلت أوربا تحترق من أجله؛ إذ شتان بين مقعد وفير في صالة مظلمة إلى جانب سيدة تفوح منها النوتات العليا لعطر مس ديور حيث رائحة الغاردينيا والبرغموت وزنبق الوادي، وبين وادي مليئ بالألغام يجتازه الآن جندي إنجليزي أو فرنسي مسكين.
لكن الأمريكان كانوا قد نسوا أنهم وقبل عامين فقط من تاريخ صدور الفيلم يعيشون أسوء الظروف المعيشية نتيجة الكساد الكبير( 1929- 1939)، الذي لم ينقذهم منها سوى تلك الحرب الكارثية ، وإلا فأن حلم الأميريكي كان العودة إلى القارة الأم التي كانت تعيش فترة معافاة ما بعد الحرب العالمية الأولى( 1918- 1938)..
يذهب عالم الاجتماع الأيطالي فلفريدو باريتو في مقاربتهِ المهمة( رواسب ومشتقات)، إلى أن ما يترسب في العقل من تجارب وذكريات وسير شعوب وحكايات تتحول لاحقاً إلى مشتقات تظهر على السطح على شكل سلوك لا يمكن فهمه دون فهم الرواسب المنتجة له، القابع منها في اللاشعور، أو العابر منها للزمن عبر الذاكرة الجمعية للمجتمعات والشعوب..
ووفقاً لذلك يُمكن فهم الكامن في قصة هذا الفيلم من عملية ثأر رمزي أميريكي ضد أوربا، وكذلك في ما يُقدم هذه الأيام من أعمال درامية عربية مثيرة للجدل يحاول القائمون عليها النيل من الشخصية القومية لمجتمع آخر يحملون عنه ذكريات سلبية، أو عقدة ما قابعة في اللاشعور كرواسب يتم اشتقاقها على شكل مسلسل تلفزيوني،أو كتاب، أو حتى مقالات صحفية.