26 Mar
26Mar

في حفل افتتاح (بيت العود العربي) في مدينة الموصل الحدباء:

شمة : أعلن عن افتتاح بيت عود الموصل الذي إن شاء الله سوف يكون مناراً للثقافة

محمد آل زكريا: بعد سنوات من الحرب والحصار الظلام اجتاحت الموصل أنواراً كثيرة كان من بينها (بيت العود العربي )"

افتتاح هذا الصرح الثقافي والفني والإبداعي في محلة الجامع الكبير في الموصل القديمة، في بيت تراثي موصلي أصيل يقع خلف الجامع النوري الذي أطلق منه المقبور أبو بكر البغدادي خطبته المشؤومة، ليكون رداً حضارياً وابداعياً""

أن تكون الموصل حفيدة الموسيقى وحفيدة الإبداع حاضرة في (بيت العود العربي)، و(بيت العود العربي) حاضراً فيها"
___________________________________

افتتح الموسيقار العالمي وفنان اليونسكو للسلام نصير شمه بيت العود العربي في مدينة الموصل التي سبق أن اجتاحتها عصابات داعش الإرهابية لتفرض سطوتها الظلامية المتوحشة على هذه المدينة العريقة " حفيدة الموسيقى وحفيدة الابداع حاضرة في بيت العود" مستهدفة هويتها وأماكنها المقدسة وثقافتها وتاريخها وحضارتها ومعالمها التي تعاقبت شعوب وأمم في تشييدها طيلة قرون مضت، وتحديداً المدينة القديمة للموصل لما لها من أهمية ثقافية وفنية وإبداعية..

وبهذه المناسبة المهمة والثمينة أقيم احتفال كبير حضره حشد كبير من رموز الثقافة والفن والموسيقى في الموصل الحدباء، يتقدمهم الموسيقار العالمي نصير شمة الذي أخذ على عاتقه تحقيق هذه المهمة الكبيرة ومشروعه الرائد بافتتاح هذا الصرح الثقافي والفني والإبداعي في محلة الجامع الكبير في الموصل القديمة، في بيت تراثي موصلي أصيل يقع خلف الجامع النوري الذي أطلق منه المقبور أبو بكر البغدادي خطبته المشؤومة، ليكون رداً حضارياً وابداعياً وليضاف الى سلسلة الصروح النظيرة التي سبق أن افتتحها في كل من : الاسكندرية والقاهرة وتونس وأبوظبي والخرطوم والرياض، وأخيراً في دار الوالي في العاصمة بغداد الذي يخضع الى عمليات ترميم شاملة.

وألقى في مستهل هذا الاحتفال الكبير الكاتب والإعلامي الموصلي محمد آل زكريا كلمة ترحيبية قال فيها:"منذ سنوات ونحن نسمع عن (بيت العود العربي) لربما كان حلماً يراود الجميع بأن تشهد الموصل أفتتاح هذه المؤسسة العريقة على أرضها وبين بيوتها العتيقة، كان حلماً صعب المنال في ظروف استثنائية عاشها المواطن، كان يحلم بأمنٍ ينام ويصبح عليه، وكان موضوع العود بعيداً وأبعد ما يكون عنه والموسيقى أيضاً ليست بعيدة عن هذه الأجواء، اليوم وبعد سنوات من الحرب والحصار وسنوات من الظلام اجتاحت الموصل أنواراً كثيرة كان من بينها (بيت العود العربي ) الذي تحقق في ظروف استثنائية أصر القائمون عليها، وعلى رأسهم الأستاذ نصير شمة، أن تكون الموصل حفيدة الموسيقى وحفيدة الإبداع حاضرة في (بيت العود العربي)، و(بيت العود العربي) حاضراً فيها.. نشهد في هذا اليوم المبارك بوجودكم ووجود نخبة من أبناء الموصل هذا الافتتاح العظيم، حيث هذه المكانة العريقة وبيت عتيق موصلي يحتضن العود ودفئ العود ، نستقبل بترحيب كبير وتحية كبيرة الأستاذ الموسيقار الفنان نصير شمة ليلقي كلمته بهذه المناسبة".

وارتجل فنان اليونسكو للسلام الموسيقار العالمي نصير شمة – كعادته - كلمة مهمة توقف فيها عند محطات عدة قال فيها:" طبعاً تعرفون أن الإنسان مهما حلق وأينما يحلق في العالم لكن يبقى حنينه الى وطنه وبيته، وأن يسمع صدى نجاحه داخل وطنه هو أعز من أي وسام وأي شهادة وأي تكريم من أي نوع كان، أولاً أنا عيني على الموصل منذ طفولتي، ارتبطت بها بشكل كبير عندما كنا نأتي اليها ونحن أطفال صغار نشارك بالعزف في مهرجان الربيع حين كنا طلبة في النشاط المدرسي، وهذا كان مكان مهم جداً نتعلم فيه الموسيقى، كنا نأتي الى الموصل سنوياً وكنا ننتظر هذه الليالي في الغابات ونلبس أزياءً عراقية متنوعة، ونعزف ونشارك ونرجع بذكريات من أروع ما يكون، فكان الجو مختلف وطبيعة البيئة كانت مختلفة ومساحة الخضار كانت مختلفة، لذلك نحن نحرص على عودتها، ليس فقط على أعمار الإنسان والبناء، فهذه الذكريات امتدت لحين ما اصبح لدي عقوبة أن آتي الى الموصل لمدة سنتين كجندي، ولكن كانت هذه العقوبة من أجمل الأشياء التي حصلت عليها، لأنني هنا اكتشفت معدن أبناء الموصل، كان القادة العسكريون أغلبهم من الموصل، وكانوا محبين للموسيقى، كان في ساحة التدريب قائد عسكري وكان بمجرد تختلي به ترى أن لديه قلب رقيق ومحب للموسيقى، هذا الشيء بالنسبة لي كان مثار صدمة وإعجاب، حيث كنا نرى هذا القائد في ساحة العرضات تهتز به الارض وعندما يتكلم عن الموسيقى تراه يصبح كالطفل، هنا بدأت أكتشف أن المهنة مهما تكون إذا أخفت وراءها إنسان سوف تكون مرتبطة بتعليم الإنسان وبيئته ومناخه وكل هذه الأمور، فترى أبناء المدينة يختلفون عن أبناء الصحراء وعن أبناء الجبل وعن أبناء الريف، كل واحد منهم له سماته وخصوصياته، فالذي يفرق بين إنسان وآخر هو مساحة الموسيقى وحب الموسيقى وتأثيرها في بناء شخصية الانسان، لذلك فمن الممكن أن يصل الإنسان الى أن يكون قائداً أو طبيباً أو وزيراً أو أي وظيفة من خلال الدراسة، لكن الموسيقى تخرجه من هذه المراتب وتضعه في مرتبة أخرى."

وأضاف شمة: " الموصل مدينة الموسيقى، ولا يوجد في هذه الكلمة أي مجاملة، بل بالعكس قدمت أهم الموسيقيين ليس فقط على مسار القرنين التاسع عشر والعشرين، بل قبل ذلك التاريخ بكثير، فتاريخ الموصل العريق الذي نقف عليه هو تاريخ آلاف السنين وحضارات عدة، وعند نظرك لأي جزء في الموصل سوف ترى كل الديانات موجودة فيه في كل ركن في الموصل، هذا امتياز ليس له مثيل، لذلك فالموصل ليست بحاجة الى مركز موسيقي لان فيها موسيقيين كبار، لكن نحن بحاجة لنكون جزءاً من هذا التطور الذي يحصل في هذه المدينة، مدينة عادت فيها الحياة من جديد. دائماً الموسيقى والفنون هما المعيار الأساسي الذي يشير للعالم أجمع أن البلد بدأ بالتعافي، لأننا دائماً ننشغل في البناء وفي الحجر وننسى البشر، نحن نريد أن نسيّر العملية بالتوازي، فهذا الدمار الذي يحيطنا يجب أن يعالج بسرعة، عندما بدأت بافتتاح بيت العود سنة 1998 في القاهرة وكان أول بيت أسسته كان في دار الاوبرا المصرية، ودار الاوبرا عبارة عن حدائق ونافورات، وكان أجمل مكان في مصر، وطلبت من الفنان الصديق وزير الثقافة آنذاك فاروق حسني أن انتقل الى حي الحسين في مصر في بيت اثري قديم اسمه (منزل الهراوي) وهو لا يختلف بالشكل عن هذه البيوت، فقال لي الوزير بالحرف الواحد "نصير هذه منطقة مخدرات"، قلت له نعم أعرف وأريد أن نذهب ونغيّرها، واليوم هذه المنطقة مصنفة خمس نجوم بمقاهيها والحياة التي فيها، والطلبة والطالبات الذين فيها من كل أنحاء العالم، هذا المكان هو بالضبط خلف الجامع الأزهر والتغيير الذي حصل فيه من خلال مدرسة موسيقية هو الذي أعد فيه الموصل والعراق أن هذه المنطقة سوف تأخذ شكلاً آخر بعد مدة بسيطة، لأن زيارات يومية كانت تأتينا من كل انحاء العالم، وملوك وملكات ورؤساء وشخصيات كبيرة يزورون بيت العود أيضاً، المنطقة نظفت وأصلحت وبدأت الناس تهتم ببيوتها، كان من الصعب في البدء أن تدخل اليها وأن تمشي فيها دون أن يكون معه من يحميه، الآن الناس سكنة المكان هي التي تحمينا بعد مرور أكثر من ثلاثة وعشرين سنة في مصر."

وأوضح شمة:"  لتصبح عندنا بيوت عود عديدة أحدها في أبوظبي بالإمارات العربية وبيت آخر في الإسكندرية وآخر في بغداد، وأعطتنا وزارة الثقافة دار الوالي في بغداد على نهر دجلة، والآن هو يرمم ونداوم فيه في الوقت نفسه، وفي سنة 2020 أطلقت بيت العود في الخرطوم، واليوم لدينا أوركسترا لأول مرة عددها أكثر من خمسة وسبعين عازف سوداني وسودانية يقدمون هوية السودان بآلاتنا، وهذا أيضا أصبح تعزيز وإظهار لدولة كاملة من خلال الموسيقى، والفرقة بالكامل كانت غير موجودة وبدأنا من الصفر، وبيت العود في الرياض أطلقناه منذ أيام في المملكة العربية السعودية وإن شاء الله الدراسة سوف تبدأ فيه خلال هذه الأيام بعد التعاقد مع المدرسين الذين هم من خريجي بيوت العود".

وأكد شمة:" اليوم بشرف واعتزاز بالغ جداً تتوج العلاقة التي تربطني بالموصل وبمبدعيها وابنائها وبكل تنوعها الجميل فأعلن عن افتتاح بيت عود الموصل، الذي إن شاء الله سوف يكون مناراً للثقافة، بدأنا بمكان صغير لكن قلوبنا كبيرة وسنحتوي الجميع، وبالتدريج سوف يأخذ مساحته بالمجتمع، وبوجود فنانين كبار مثل أستاذ أكرم حبيب الذي ساهم في كل الظروف الصعبة بأن يبقى العود موجوداً وتبقى الموسيقى ويبقى صوت الموسيقى، والفنان عامر يونس وكل الأصدقاء الذين شاركوا وحافظوا على هوية الموسيقى في هذه المدينة، سيكون هذا مكان تكريمهم ومكان بيتهم ومكان طلبتهم، وهذا البيت سوف يكون مفتوحاً لأي فنان جيد ومهم وأي فنان لديه حلم ويرغب بتطويره سوف نساعده قدر ما يحتاجنا في هذا الأمر.

وختم شمة:"أشكركم جداً على الحضور وأتمنى أن تزوروا الغرف وترون البيوت اخترت الآن الفنان رسول علوان خريج بيت العود القاهرة درسناه من العراق سيكون مدرساً في آلة العود، والفنان عمر درس الصناعة والعزف فكل بيت عود تكون بجواره ورشة لصناعة العود لكي تغطي متطلبات الطلبة، وسوف نستقبل الأطفال من عمر ست سنوات حيث صنعنا لهم آلات صغيرة، لأن المستقبل يبدأ بالعلاقة مع الطفل، لذلك من لديه طفل يرغب أن يحميه من التطرف والمخدرات ومن كل شيء سيء، فالحل هو في الرسم والموسيقى والأدب والمسرح والفنون بشكل عام، فهذه هي الحصانة المهمة التي تجعل الطفل ينشأ نشأة سليمة ويكون قريباً من الناس قريباً من الإنسانية وقريباً من عائلته والمجتمع، وعنصراً فاعلاً في المجتمع...أحييكم ، وشكراً لحسن الاصغاء، شرفتومونا اليوم، وقريباً تسمعون النتائج العملية إن شاء الله كعادة بيوت العود في كل مكان."

الجدير ذكره ..بدأ نصير شمّه تأسيس بيت العود العربي في تونس عام 1993، وتم إطلاق أول فرع لبيت العود العربي رسمياً في عام 1998 في دار الأوبرا المصرية في القاهرة بدعمٍ وتشجيع من فنانة الأوبرا المبدعة الدكتورة رتيبة الحفني، وكانت أوّل مدرسة مُخصصة لتعليم العود كأداة موسيقية منفردة،وقد اكتسب بيت العود العربي شهرةً وصيتاً كمدرسة تعليم عود، وخاصة بعد افتتح له عدة فروع في مناطق مختلفة من العالم ، ويسعى نصير شمّه الى افتتاح فروع أخرى  في مدن عربية وغربية، ويشرف عليها مباشرة بهدف نشر الثقافة والوعي بأهمية آلة العود والآلات الموسيقية العربية الأخرى.


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن