أ.د. محمد فضيل الخفاجي
يطالعنا المخرج كاظم نصار نحن الرائون وبحميمية عالية بدءاً من خارطة الجلوس أمام (عائلته السعيدة) شاركاً إيانا بنية الحدث حين أقحمنا وإياهم خشبة المسرح لنتصير معاً في بودقة واحدة ومصير واحد وما آلت وما ستؤول إليه الأحداث والمصائر، فثمة ما يلوح في أفق التأطير المكاني ما هو شامل لكلا الحدث المسرحي والرائي في صيرورة اتجاه الحدث والمكان، وكأن هناك شمولية في ما وقع وما سوف يقع.
فالهم الانساني يكاد يكون واحداً والمصير ذاته، والبيت الذي أثثه نصار هو ذات بيت الرائي ليتصير عائلة أو وطناً بأسره. ينظر نصار بمنظاره الجمالي (نكتة) ألمت بمصير تكاد تكون أنا جمعي، وهذه النكتة هي الإرتكاز الفلسفي لخطاب العرض في طرحه مثالاً لشخصين (فرحان وفرحانة) تندراً وهما يحاولان تأسيس أسره جديدة في ظل هذيانات الحرب والقتل والتدمير والنسف الحياتي، إذ يغادر نصار ومن خلال منظاره الجمالي النقل والتأسيس الفج والكلائشي لهذه النكت وفي التأثيث النمطي، بل راح يفلسف هذا الطرح بمغايرة صيرورية على مستوى البوح والمآل، فثمة خيط من الواقع المتخيل يزواجه بمتخيل واقعي يفترض وجوداً واقعاً لا محال، وما اشتراك مفردة السرير والبيت إلا اشتراكاً في المصير وازدحاماً في لجة الوجود، فالزمن والمكان يكاد يكون ضيقاً وخانقاً على الشخصيات ومصائرها، فالكل محاصر من الخارج بأسلحته وعيونه المحاصرة ووجوهه الملثمة ولا سبيل للهرب سوى الاستسلام للقدر المكتوب وما الضحك الذي يتسلل من هنا وهناك ما هو إلا تفريغاً مسوغاً لما آلت اليه الأمور، فالمصائر مكتوبة تتراً لـ( فرحان وفرحانة) ليستمر الى مصير الأبناء (باسم وباسمة) قتلاً واغتصاباً وإلى أبناء الأبناء (بسام وبسمة) خطفاً وغرقاً، وهذه المسميات ماهي إلا أمنيات صائرة الى العدم والضياع وسط خضم من الصراعات والتصارعات بين أقدارها ومصائرها الذاهبة إليها عنوةً ،ليكشف نصار وعبر منظاره شخصيات تلك الحياة السعيدة ما هي إلا شخصيات مجنونة تسوقها قوة ألبسها نصار إطار (الطبيب) الذي يسوق مرضاه عنوةً الى خارج الدار دلالة استنتاجية الى استباحة الدار (الوطن) لقوى غريبة متحكمة ومسيطرة استباحت كل شيء بالقوة، وبذلك تحققت صيرورة معالجة نصار لتلك الحياة السعيدة المفترضة بكوميديا سوداء متعاقبة في الحدث والنشوء وتلك (الحالة المعبرة عن وجود الحدث والاتجاه حول الوقت والمسافة) التي افترضها العرض فالوقت مفترض (١٠ دقائق) التي كانت كفيلة لبناء أسرة والمسافة مفتوحة متشظية، وفي محاولة للتغيير والتحول العرضي المؤقت واقعاً وتفكيراً بوصف (الصيرورة ترفض الجواهر الأبدية وتقلل من شأنها).. مسرحية حياة سعيدة عرض مغاير ومنفتح على ذلك الهم والمصير الإنساني الذي آل اليه نتيجة تلك الهزات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي مرّت على تلك الشخصيات المسرحية والرائين معاً ..
مسرحية حياة سعيدة .. تأليف علي عبد النبي الزيدي / إخراج كاظم نصار/ تمثيل: حسن هادي، لبوة عرب، علاء قحطان، هديل سعد.. المسرح الوطني ..بغداد الثلاثاء ١٤ / ١١/2023 الساعة السابعة مساءً.