أجبر جفاف شديد، أصاب عدة بلدات بطول منطقة كوستا بلانكا الإسبانية، السكان المحليين على الوقوف في طوابير بنقاط توزيع للحصول على مياه معبأة لتغطية احتياجاتهم الأساسية بعد أن أصبحت مياه الصنبور غير صالحة للشرب.
ومع انخفاض مستويات المياه تزيد نسبة الملوحة، مما يدفع السلطات في بعض المناطق إلى اعتبار مياه الصنبور غير آمنة للشرب أو الطهي.
ويجري توزيع المياه المعبأة مجاناً.
ويقول ناشطون: إن المشكلة تتفاقم بسبب التنمية المفرطة وتغير المناخ والسياحة الجماعية خلال أشهر الصيف حين يزيد بشكل كبير عدد قاطني المقاصد الشهيرة المطلة على البحر المتوسط.
وأجبر نقص المياه مجالس البلديات على حظر أنشطة مثل ملء أحواض السباحة أو ري الحدائق أو غسل السيارات خلال النهار.
وقال اتحاد المزارعين الشبان في إسبانيا في يوليو/ تموز: إن الجفاف أحدث أيضاً خسائر بقيمة 65 مليون يورو (72.27 مليون دولار) في قطاع الزراعة بالمنطقة.
ويعاني ما لا يقل عن 50 في المائة من سكان الكوكب - 4 بلايين نسمة - من نقص المياه لمدة شهر واحد على الأقل في السنة. وبحلول عام 2025، من المرجح أن يواجه 1،8 بليون شخص ما تسميه منظمة الأغذية والزراعة "شُح المياه المطلق".
تنبؤات بشح مياه عالمي
وتحدث ندرة المياه عادة عندما لا تتمكن المجتمعات من تلبية احتياجاتها منها، إما لأن موارد المياه غير كافية وإما لتهالك البنية التحتية من المرافق المخصصة لنقل الماء وتنقيته؛ فعلى سبيل المثال، دمرت الحرب في أوكرانيا البنية التحتية، تاركةً أكثر من ستة ملايين شخص دون إمكانية للحصول على مياه صالحة للشرب عام 2022.
وتتنبأ دراسات بتفاقم ندرة المياه على مستوى العالم، مع تأثر ما يصل إلى 66 بالمئة من السكان بحلول عام 2100، وخاصة في الجنوب العالمي، مما يؤكد الحاجة الماسة لمعالجة كمية ونوعية المياه في إستراتيجيات إدارة المياه في المستقبل.
وتتوقع الأبحاث الحديثة التي أجرتها جامعة أوتريخت في هولندا، والتي نُشرت مؤخرا في مجلة Nature Climate Change، بتفاقم ندرة المياه بسبب التغيرات المناخية والاجتماعية والاقتصادية.
وتتنبأ الدراسة، التي تستخدم نموذجا عالميا متطورا لكمية وجودة المياه، ارتفاعا في نقص المياه النظيفة حتى نهاية القرن، مما يؤثر بشكل غير متناسب على السكان في الجنوب العالمي.
اذ يحتاج البشر إلى المياه النظيفة لأغراض الشرب والصرف الصحي، ولكنهم يحتاجون أيضا إلى إنتاج الغذاء والطاقة والسلع المصنعة. بينما تتصارع المجتمعات وصناع السياسات مع قضايا ندرة المياه على أرض الواقع.
صراع من اجل البقاء.. فلسطين انموذجا
وتعاني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لفترة طويلة من ندرة المياه، فبلدان مثل المغرب، وتونس، ومصر، وسوريا، والأردن، والأراضي الفلسطينية ليست استثناء، إذ تواجه تحديات مثل تزايد عدد السكان، وتغير المناخ، وممارسات إدارة المياه غير الفعالة التي تؤدي إلى تفاقم أزمة الموارد المائية المحدودة بالفعل.
وتدور نزاعات بين إسرائيل من جهة والأردن والفلسطينيين من جهة أخرى حول نهر الأردن وعدد من الينابيع، حيث يتنافس الثلاثة على استخدام هذه الموارد.
وبموجب اتفاقية السلام الموقعة بين إسرائيل والأردن عام 1994، تزود إسرائيل الأردن بـ50 مليون متر مكعب سنوياً من مياه بحيرة طبريا، يتم نقلها عبر قناة الملك عبد الله إلى المملكة، مقابل سنت واحد لكل متر مكعب. وفي يوليو/ تموز 2021، توصل الأردن وإسرائيل إلى اتفاق تزود بموجبه الأخيرة المملكة بـ50 مليون متر مكعب من المياه الإضافية المشتراة، بموجب اتفاقية موقعة بينهما عام 2010، انبثقت عن اتفاقية "وادي عربة".
ووقَّع الأردن والإمارات وإسرائيل في 2021 "إعلان نوايا" للدخول في عملية تفاوضية لبحث جدوى مشروع مشترك لمقايضة الطاقة بالمياه، إلا أن حرب غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حالت دون توقيع اتفاقية أواخر عام 2023. وقررت عمّان في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عدم توقيع الاتفاقية، بعد تعرض المستشفى الميداني الأردني في غزة للقصف وإصابة 7 من كوادره، وأتهمت عمان إسرائيل بالقصف، لكن الجيش الإسرائيلي نفي الاتهامات الأردنية.
تحديات أساسية
الأمم المتحدة حذرت في اذار/ مارس الماضي، من أن تزايد ندرة المياه يمكن أن يؤجج الصراعات في كل أنحاء العالم.
يقول خبراء إنه كلما تزايدت حدة أزمة نقص المياه في الشرق الأوسط تصاعدت المخاوف من انفجار صراع مسلح بين الدول على مصادر المياه، محذرين من خطر التصعيد في قضايا المياه في الشرق الأوسط، حيث يمكن أن تؤدي الصراعات حول توزيع المياه والندرة المتزايدة للموارد المائية إلى زيادة التوترات وحتى الاشتباكات العنيفة.
وجاء في تقرير صدر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، بمناسبة "يوم المياه العالمي"، أن 2.2 مليار شخص على مستوى العالم لا يستطيعون الحصول على مياه الشرب المُدارة بشكل آمن، ويفتقر 5.3 مليار شخص إلى خدمات الصرف الصحي المدارة بأمان.
وقالت رئيسة "اليونيسكو"، أودري أزولاي، إن واحداً من كل شخصين في جميع أنحاء العالم يعاني من ندرة المياه لعدة أشهر في العام. وتابعت أنه «في بعض أجزاء العالم، أصبحت ندرة المياه هي القاعدة، وليست الاستثناء"؟
وأضافت: "نعرف عواقب هذا الوضع؛ فنقص المياه لا يؤجج نيران التوترات الجيوسياسية فحسب، بل يشكل أيضاً تهديداً للحقوق الأساسية ككل، على سبيل المثال من خلال تقويض وضع الفتيات والنساء بشكل كبير".
وقالت أزولاي إن الوصول إلى المياه والحفاظ على الموارد المائية يمثلان "تحديات أساسية" للمجتمعات.
وقدر التقرير أن تكلفة تحقيق حصول الجميع على مياه الشرب الآمنة والصرف الصحي والنظافة في 140 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل ستبلغ نحو 7.1 تريليون دولار في الفترة من 2016 إلى 2030، أو ما يُقدَّر بنحو 114 مليار دولار سنوياً.
وينشر التقرير سنوياً بمناسبة "يوم المياه العالمي"، الذي يركز هذا العام على موضوع "المياه من أجل الرخاء والسلام".
وقالت أزولاي: إن "موضوع يوم المياه العالمي لعام 2024 هو بالتالي دعوة للعمل - لإدارة المياه بشكل مستدام، وإعادة التواصل مع كوكبنا، وفي نهاية المطاف، بناء السلام".
بدائل ولكن
وفي محاولة للعثور على المياه، تتجه البلدان إلى مصادر غير تقليدية، وفي بعض المناطق الريفية، بما في ذلك في تشيلي وبيرو، تقوم المجتمعات المحلية بجمع المياه العالقة في الهواء، وتستخدم بعض هذه الأنظمة شبكة دقيقة لاحتجاز قطرات صغيرة من الضباب وسحبها إلى الخزان.
وتنظر العديد من المجتمعات أيضا إلى مياه الصرف الصحي كحل محتمل للإجهاد المائي. ووجد تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لعام 2023 أنه يمكن أن يوفر أكثر من 10 أضعاف المياه التي توفرها محطات تحلية المياه الحالية في العالم. وتعد مياه الصرف الصحي أيضا مصدرا للطاقة والمواد المغذية وغيرها من المواد القابلة للاسترداد، ومع ذلك لا يتم معالجة سوى 58 بالمائة من مياه الصرف الصحي المنزلية بأمان على مستوى العالم.
وفي كثير من الأحيان لا يتم إعادة استخدام مياه الصرف الصحي بسبب المخاوف من الإصابة بالعدوى والجسيمات البلاستيكية الدقيقة والأدوية المضادة للميكروبات، لكن الخبراء يقولون إنه من خلال السياسات والتقنيات الصحيحة، يمكن استخدام مياه الصرف الصحي مرة ثانية بأمان.
يشار الى ان البرازيل تتصدر القائمة التي تمتلك أعلى موارد المياه العذبة في العالم، حيث تبلغ 5.7 تريليون متر مكعب من المياه العذبة الداخلية المتجددة. فهي تحتوي على 12% من موارد المياه العذبة في العالم، ويغطي حوض نهر الأمازون 48% من أراضي البلاد.