23 Sep
23Sep

كتب : عبدالعليم البناء 

من  جديد تتوالى الخسارات لكبار مبدعي العراق فبرحيل الفنان الأكاديمي المبدع الأستاذ الدكتور عاصم فرمان تخسر الثقافة العراقية واحداً من رموزها الأفذاذ الذين قدموا الكثير من جهودهم وعطاءاتهم الخلاقة طوال مسيرتهم الابداعية والتربوية والفنية والتدريسية.. 

إن رحيل هذه القامة العراقية الأصيلة عن عمر ناهز 67 عاماً على إثرنوبة قلبية حادة لم تمهله طويلاً، لتغيب تلك الإبتسامته الجميلة التي – كما قال زميل  دراسته معد فياض-  قد حافظ عليها بالرغم من حزنه الكبير برحيل نجله حارث عام 2012، لكن هذا الحزن بقي ينال من روحه حتى انتصر عليه للاسف،ليشكل هذا الرحيل صدمة وألماً وحسرة لدى جميع الأوساط الثقافية والفنية والأكاديمية، لأنه يعد علامة فارقة في تأريخ الفن التشكيلي المعاصر، لما تميز به من قدرات وإمكانات وطاقات إبداعية متنوعة قل نظيرها، ومسكونة بهموم وتطلعات ناسه هنا وهناك منذ بواكيرحياته التي بدأها على أديم مدينته الديوانية وأكمل فيها دراسته الابتدائية والمتوسطة، وفيها بانت مواهبه وشغفه بالفنون التشكيلية ليصقلها بالدراسة الأكاديمية، حيث بدأ الراحل أول حضوره في بغداد عام1970ليتخرج فيها من معهد الفنون الجميلة متخصصاً بفن الكرافيك  عام 1978، ومن ثم إلتحق بكلية الفنون الجميلة في جامعة بغداد ثم أكمل فيها دراسة الماجستير في فن الرسم عام ،1989، والدكتوراه في تاريخ الفنون التشكيلية عام 1999ليواصل العمل التدريسي في الكلية ذاتها حتى عام 2003 ، لينتقل من بغداد الى كلية الفنون بجامعة الحديدة باليمن (2003ـ2006)، ثم الى الأردن في جامعة عمان الأهلية /كلية الآداب والفنون 2009 ، ليعود الى اليمن استاذاً مشاركاً في كلية الفنون جامعة الحديدة ثم عميداً للكلية ذاتها، وعمل أستاذاً مشاركاً في كلية الآداب والفنون في جامعة عمان الأهلية في الأردن، وعمل مشرفاً ومناقشاً للعديد من رسائل الماجستير والدكتوراه في جامعة بغداد وجامعات أخرى عراقية وعربية، وكانت آخرهذه المهشام عمله أستاذاً للفنون التشكيلية وعميداً لكلية الفنون التطبيقية في جامعة أوروك الأهلية.

  إن تبوأ الراحل عاصم فرمان هذه المهام التدريسية والعلمية والإدارية لم تبعده قيد أنملة عن دوره كفنان فاعل ومؤثر وله مكانته المرموقة في حركة التشكيل العراقي، وكان منجزه الإبداعي يرقى الى مصاف الاعمال العالمية، بشهادة الجميع، وأقام عشرات المعارض الشخصية فضلاً عن مشاركاته في العديد من المعارض الجماعية داخل وخارج العراق، وله الكثير من الدراسات والبحوث في مجال الفنون  التشكيلية، وقد نشرت نصوصه التخطيطية في المجلات الثقافية والأدبية المهمة.

 وكانت أعماله تتميز بشاعريتها وبمعايشتها وتجسيدها لمعاناة وأزمة الإنسان بكل أبعادها حيث كان يحسسها كمثقف وكفنان عانى الكثير في مراحل حياته، وحسب تشخيص وقراءات العديد من نقاد الفن التشكيلي، " فهو من جهة يؤمن بقدرات الإنسان وإبداعه ومن جهة أخرى يعاني ضعفه وقيوده التي تجعله تحت رحمة ظروف قاسية وساخنة ليس له أي دور في صناعتها أو السيطرة عليها، وعليه هو كفرد وحيداً مواجهتها وتحمل أعبائها الثقيلة والتي سيبقى ينوء بوطأتها كلّ عمره المحدود." ولم يتوقف الراحل في تجسيده لمعاناة وأزمة الإنسان عند حدود عطاءاته وإبداعاته التشكيلية، بل برزت جلية في مجموعاته الشعرية الثلاث بكل  ماتحمله من أوجاع وآلام ظاهرة ومخفية  وهي : (شظايا الذاكرة)، و(شظايا الجسد)، و(شظايا الروح)، ففي الوقت الذي كان عبر انثيالاتها يلملم فيها (شظاياه) التي كانت القاسم المشترك بينها فإنها كانت تتمحور حول هموم الناس، سواء في العراق أم في البلاد العربية وما تمر به من مخاض سياسي حاد جرالويلات على شعوبها المبتلاة بالتبعية والإستبداد والديكتاتورية.                                                                                                                          وقد نال الرحل جوائز عراقية وعربية عدة منها جائزة فن الكرافيك في بينالي بغداد الثالث عام  2002، وجائزة وتكريم ملتقى التشكيليين العرب في القاهرة عام 2012، و جائزة الأوسكار البرونزية في ملتقى فنانيي الشرق الأوسط عام 2012،وغيرها الكثير، لقد كان الراحل عاصم فرمان جل المهمات العلمية والفنية وأحد الخبراء الأكاديميين  يجمع ما بين  الجانب العلمي الأكاديمي والفني والتصميمي والتدريسي كما بقي حتى آخر لحظة من حياته لاتفاقه تلك الابتسامة التي كان يغطي فيها على  وجعه المزمن الذي قصم روحه برحيل نجله حارث في صقيع الغربة ليلتحق به منادياً ها قد التحقت بك أخيراً..

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن