عبد العليم البناء
ما أن نودع مبدعاً ورمزاً كبيراً حتى يغادرنا الى الدار الآخرة مبدع ورمز عراقي آخر، فبعد أن غادرنا الى الى الرفيق الأعلى الرمز الثقافي الكبيرباسم عبد الحميد حمودي هاهو الفنان القدير عبدالستارالبصري يترجل عن صهوة الإبداع الذي صال وجال في عوالمه وفضاءاته في المسرح والسينما والاذاعة والتلفزيون تاركاً إرثاً إبداعياً ثراً يشار له بالبنان، بعد صراع مع المرض لم يمهله طويلاً، ليغادرنا يوم 12 آيار 2024، عن عمر ناهز الـ 77 عاماً، ليخلف في قلوب محبيه وأقرانه وزملائه ومعجبيه ألماً لن يزول سريعاً.
هذا الفنان الطيب الخلوق الذي رأى النور يوم 22 شباط 1947 في مدينة البصرة الفيحاء وتحديداً في محلة البجاري بالعشار ليكمل دراسته الاإبتدائية والمتوسطة والإعدادية فيها ولولعه الشديد وحبه للفنون منذ نعومة أظفاره حيث كانت بدايته مع فن المسرح في عام 1962 مع علي حسن مطر حين شارك بمسرحية (القلب الأرعن) لجان باترك وإخراج محمد وهيب، ثم مسرحية (معرض الجثث) لكاتبتها الأمريكية ساد اكوان وأخراج عبد المنعم شاكر، ليترك البصرة ودراسة القانون، ويتوجه إلى بغداد ليدرس في قسم المسرح في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد عام 1967، وتخرج في الموسم الدراسي 1971 - 1972 حيث تتلمذ على أيدي كبار أساتذة المسرح في العراق، ليلتحق بالفرقة الوطنية للتمثيل عام 1974، وبسبب موهبته الأصيلة التي صقلها بالدراسة الأكاديمية لعب العديد من الأدوار المهمة في المسرح السينما والإذاعة والتلفزيون.
وعرف البصري بالعديد من الأدوار المهمة والخالدة لاسيما دوره في الجزء الأول من المسلسل التلفزيوني الناجح (عالم الست وهيبة) حين قام بتجسيد شخصية (عبود) الكوميدية، وكذلك السباعية التلفزيونية (كبرياء العراق) التي تناولت قصة حياة شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري التي جسدها البصري بشكل مميز.
ومثلماعرف بإجادة الأدوار التراجيدية فقد عرف بإجادة الأدوار الكوميدية، فعلى سبيل المثال، حصل على جائزة أفضل ممثل كوميدي في العراق عام 1980 من المركز العراقي للمسرح، كما حصل من المركز ذاته على جائزة أفضل ممثل تراجيدي في العراق عام 1987، لتتوالى سلسلة الجوائز في الأعوام التالية، ومن بينها ثلاث جوائز دولية في ثلاثة أعوام متتالية ليكون بذلك أول ممثل عراقي يحظى بمثل هذا التميز الفريد من نوعه عن دوره في مسرحية (تحت الصفر) للمخرج عماد محمد وتقاسم بطولتها مع الفنان يحيى إبراهيم التي حفّزت لديّه كل مواهبه وطاقاتيه واستفزت في داخله كل آليات الممثل الشاب الذي يؤدي دور عجوز وليس العكس، فحصد جوائز: أفضل ممثل في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي عام2008، وأفضل ممثل في مهرجان أيام قرطاج المسرحية عام 2009، وأفضل ممثل في مهرجان أرفود الدولي الثالث في المغرب عام2010.
وكان حصاده وافراً في الدراما التفزيونية من خلال لعب أدوارمتميزة الى جانب عشرات الممثلين وعمالقة الإخراج التلفزيوني المرموقين، حيث شارك عام 2024 في(عالم الست وهيبة الجزءالثاني) هوآخر عمل تلفزيوني له حيث قدم شخصية (أبو شهوبي) فضلاً عن سلسلة من الأعمال: الخوات، ألماس مكسور ، العدلين، غايب في بلاد العجايب، يسكن قلبي، حرائق الرماد، ضياع في حفر الباطن، أوان الحب، بقايا حب، رجال وقضية، كبرياء العراق، سبع خوات، عائلة في زمن العولمة،ش موع خضر الياس، الغريبة، باشوات آخر زمن، ظرفاء ولكن، شارع 40، المتنبي، أيام التحدي، مناوي باشا ج1، رجل فوق الشبهات، برج العقرب، عالم الست وهيبة، شمس الصباح، سيرك المعلومات، حكايات قبل أن تنزل الآيات، البرج والثعبان ، ورشة حارتنا، حكاية من الزمن الصعب، الذخائر، رجال الظل، أوائل العرب، ذئاب الليل ج2، مسلسل اللغة العربية، الهروب إلى المجهول، ذئاب الليل ج1، الدفتر الأزرق، الأماني الضالة، متوالية الحب، أحلى الكلام، دائما نحب،غاوي المشاكل، ممكلة الشحاذين، الدواسر، جرف الملح، القضوة، عزيزة، القمر والذئاب،أنا وآمالي، مدفوع الزوم، تذكار.
وهكذا كان مساره يتصاعد على الدوام في فضاءات المسرح مشاركاً في لعب مختلف الأدوار باقتدار عال يحسد عليه حيث نال ثقة كبار مخرجي المسرح العراقي لاسيما في مسرحيات :القلب الأرعن، معرض الجثث، أبو العلاء المعري، حال الدنيا، تحت الصفر، حكايات العطش والناس، إقرأ بسم ربك، وغيرها الكثير. وكانت حصيلته في السينما جيدة عبرت عن تنوع قدراته وتمكنه من لعب مختلف الأدوار والشخصيات ومن هذه الأفلام: في قاع المدينة، العاشق، القادسية، الأيام الطويلة. لقد رحل هذا الفنان القدير والقامة الإبداعية الفذة جسداً لكن أعماله ستظل شاخصة في ذاكرة الفنون العراقية والعربية، وعزاؤنا أنه قد أورث مواهبه وقدراته الى إبنه الفنان الشاب محمد البصري وحفيده الفنان أمير إحسان.، الذين يتواصلان على المشوار الابداعي ذاته.