حيدر عودة
في مبادرة جديدة تبناها الفنان التشكيلي سلام عمر، معلناً عن افتتاح قاعة (ستوديو سلام) ليقدم للجمهور معرضاً مشتركاً مع مجموعة فنانين شباب واعدين، تحت عنوان لافت(La Remontada ) ريمونتادا، وهو مُصطلحٌ رياضي يُستخدمُ في كرة القدم ويعني (العودة) أو (الرُّجُوع)، ويُستخدمُ على نطاقٍ واسعٍ في إسبانيا.
وفيه قدم كل مشارك لوحة واحدة باستثناء الفنان عمار جمعة الذي قدم عملين في الفن المفاهيمي، مع استضافة لوحة للفنان أحمد البحراني، كضيف شرف. لم يفتتح الفنان سلام قاعته لأعماله فقط كما هو شائع، بل بادر بالعمل مع فنانين شباب متميزين لتوجيه تجاربهم وتقديمها بما تستحق، وتنبيه الجمهور والنقاد لها بما تستحق. بينما قدم هو مجموعة من أعماله الجديدة نفذها على الخشب - بورد- في القاعة الصغيرة الملحقة بالقاعة الرئيسية. المثير للإهتمام في المبادرة بحق هو وجود الفنان سلام عمر نفسه؛ المعروف بتجاربه المثيرة للجدل، والمختلفة بطرق العرض، وتناول أفكار غير مألوفة، كذلك التنوع في المواد والخامات المستخدمة.
فهو منذ معرضه في عام 1995 أثار الكثير من اللغط حول تنوع الخامات والأفكار. بعد رحلة طويلة يقرر الفنان سلام العودة، في رحلة أخيرة، إلى أمكنته الأولى، كي يحلق ثانية فوق بغداد، يرسم خرائط جديدة أو يعيد ترسيم أخرى قديمة، حالماً بفن يؤمن بالجمال والتفاعل واللّامألوف.
وهو الذي سافر 1998 إلى دولة قطر ومنها عاد للعراق، ثم سافر مرة أخرى إلى سوريا ومن هناك إلى لبنان فتركيا، التي عمل في إحدى جامعاتها مدرسا للفن. وفي بغداد أعاد فتح مشغله الخاص، وتحويله إلى قاعة فنية تقدم كل ما هو مختلف ومثير للإهتمام من تجارب فنية أو أفكار محفزة.
في هذا المعرض- ريمونتادا – قدم مع فنانين شباب بأعمارهم وأعمالهم: علي كريم عمار، موسى حسين، محمد سهيل، محمد عبد الوصي، مختار الانصاري، هشام طاهر، عمار جمعة، مع استضافة النحات أحمد البحراني بلوحة كبيرة.
تنوعت الأعمال بين الرسم والفن المفاهيمي والطباعي، وتميزت باختلاف موضوعاتها وأفكارها المعاصرة. منحنا المعرض التعرف على رؤى مختلفة وقدرات ممتازة وأفكاراً تمس حياتنا اليومية أو فسحة للتأمل في ما مر علينا من أحداث وحوادث وضعت آثارها في ذاكرة جيل عرف الحرب وويلاتها، وتعرف على صور الإحتلال ومشاهدها غير المنسية لوقت طويل. فمن الخطوط السود العريضة وعلبة الكهرباء في لوحة الجدار لأحمد البحراني؛ نتابع هواجس علي كريم التي رسمها بأسلوب تعبيري /تجريدي، جمع فيها بين عالم افتراضي تعيش فيه امرأتان معزولتان عن الواقع وبين عالم آخر حقيقي يمثل شكل (كلب أبيض) صغير، عبّرت عن حيرة وجودية في عالمنا اليوم.
لننتقل سريعاً للوحة موسى حسين التي صورت الجماهير الرياضية في لحظة فرح، عاشها الشعب العراقي بافتتاح دورة خليجي(25) بكرة القدم.
بينما عبّرت لوحة محمد سهيل التي رسمها بأسلوب أكاديمي عن رؤية مختلفة حيث نقل لنا مشاهد مقتطعة من لوحات كلاسيكية مع رموز معاصرة، مثل الشخصية الكارتونية ميكي ماوس وغيرها، وهي ما تثير فينا تساؤلات حول مفهوم الثقافات الزاحفة نحو عالم الفن ومخاطرها في الترويج للصور النمطية والاستهلاكية، التي تتصدر حياتنا اليومية.
أما لوحة محمد عبد الوصي التي رسمها بإسلوب تعبيري، فقد تميزت بذكرى أليمة من ذكريات تواجد القوات الأمريكية في الأماكن الأثرية في عموم العراق، وقد اتخذ من صورة فوتوغرافية في الأصل أو تقصد هو وضعها بهذا الشكل، جاعلاً من خلفيتها بوابة بابل الأثرية، بينما الجنود الأمريكان يلتقطون صورة تذكارية معها وهم بكامل زيهم العسكري وأسلحتهم.
وقد وضع الرسام مجموعة (سهام) قرب اللوحة وهو يمارس رميها بالسهام على وجوه الجنود، كذلك إشراك الجمهور بتلك اللعبة، تعبيراً عن لعبة اصطياد الأهداف التي كان الجنود الأمريكان يمارسونها في أوقات عدة على المدنيين العراقيين، في لعبة صيد حقيقية.
أما مختار الأنصاري فقد قدم لنا عملاً طباعياً -حروفياً- كبير الحجم، تميز؛ ليس بشكل الحرف العربي فقط، وإنما بما يثيره من انطباع تشكيلي، طقسي، روحاني. ومن التجارب الجديدة للفنان سلام عمر قدم إثني عشر عملا تجريدياً -رسم على بورد خشبي- وهو ما أسماه خرائط على أرض الحرب، فقد عالجها بطرق الحفر والحك والثقب مع ألوان ثنائية، توزعت بين الأبيض والأسود ودرجاتهما.
فيما عبرت لوحة هشام طاهر التي تميزت بـ "التجريدية، التعبيرية"، بألوان حارة وخطوط قوية تنمّ عن مهارات كبيرة. وأخيراً قدم عمار جمعة عملين في الفن المفاهيمي، وهما عبارة عن بابين لسيارتين، باب سيارة كانت تستخدمها في فترة احتلال (داعش) لغربي العراق، مكتوب عليها (بلدية الموصل) في إشارة لتلك الفترة، وباب آخر لسيارة إسعاف مقصوفة، عليها آثار إطلاقات رصاص وغيرها، عائداً بذاكرتنا لصور تلك المدة العصيبة، التي حصدت الكثير من الضحايا من المدنيين.
وإذا لابد من كلمة أخيرة هنا، فإنه يحسب للفنان سلام عمر جهوده الاستثنائية في إنشاء كاليري يضيف للمشهد التشكيلي فضاء جديداً، ورئة أخرى يتنفس من خلالها فنانون شباب، تتفاعل تجاربهم مع بعضهم البعض أو مع تجارب فنانين آخرين، لهم حضورهم البارز وبصماتهم الواضحة في المشهد التشكيلي العراقي والعربي. كذلك نقول شكرا لـ (سلام ستوديو) لمنحه لنا متعة بصرية وفسحة للجمال والتفاعل والتأمل.