إسماعيل عبد الله*
يسابق قلبي القلم، مثلما تسّابُق خيل برية في سهول الريح، ويحار الفؤاد المتعب من فرط المواجد، أين يلقي بحمل الوجد ليستريح، فيجد في بغداد راحة للروح، فيرتدي عباءة قشيبة موشاة بألوان الإبداع، فهذا مسرح، وتلك موسيقى، وذلك أثر نقشه السومري وتلك حكمة البابلي وذاك قصيد الأكادي، فيعيد ويعود إلى أول رقيم ولوح كتبه البشر، ليقرأ فيه «»يرى كل شيء، يرى تخوم الدنيا، حكيم عليم، يعرف كل شيء، يخترق حالك الظلام بثاقب نظره، يدرك الأسرار، يعرف ما يخفي على الناس، جاء بأخبار الأولين، بأخبار ما قبل الطوفان، جال في الأرض طويلا، أضناه التعب، وعلى لوح من حجر دون ما فعله وما رآه، بنى أسوار أوروك، هل ترى بناء أعجب منه؟ (جلجامش) طوله أحد عشر ذراعا، عرض صدره تسعة أشبار، الشمس وهبته الحسن والجمال، و "هدد" الشجاعة والإقدام، ثلثاه إله، وثلثه الباقي إنسان» إذن ها نحن هنا، نمضي على خيط نور جاءنا من ذلك الوادي الذي يبدو للآخرين بعيداً، وأراه جد قريب، فمن قال إن جلجامش لا يمشي في أسواق بغداد؟ ومن قال إنه ليس ساهراً على أسوارها؟ ومن قال إنه ليس مسرحياً على خشباتها؟ ها هنا المسرح العربي في مطارح التاريخ والإبداع، عراقي النسائم، عربي اللسان والصورة، ها هو هنا إنساني الهوية والهوى، وها نحن هنا نجدد العهد للمضي قدماً، فرحلة البحث عن عشبة الخلود لم تنته بعد. نمضي إليها سبيلنا دجلة ونغني مع الجواهري:
يا دجلةَ الخيرِ: يا أطيافَ ساحرةٍ يا خمرَ خابيةٍ في ظلِّ عُرْجون
يا أمَّ تلك التي من «ألفِ ليلتِها» للآنَ يعبِق عِطرٌ في التلاحين
يا دجلة الخيرِ: إن الشِعْرَ هدْهدةٌ للسمع ما بين ترخيمٍ وتنوين
يا دجلةَ الخير: كان الشعرُ مُذْ رَسمتْ كفُ الطبيعةِ لوحاً، «سِفْرَ تكوين»
فمن هنا بكل فصيح القول نعلنها، شكراً لبغداد وللعراق ولمسرحييه، ونحن نكتب سفراً جديداً لمسرحنا العربي، سفينه مهرجان المسرح العربي في دورته الرابعة عشرة، وشراعه أحلامنا ورياحه ما ننجزه من جمال المسرح.