زار بغداد – مؤخراً - الأمين العام للهيئة العربية للمسرح، في زيارة عمل، لبدء الترتيبات والإجراءات الخاصة باحتضان العراق للدورة الـ14لمهرجان المسرح العربي وبمعيته مدير الإدارة العامة بالهيئة ناصر آل علي، ومدير التدريب والتأهيل والمسرح المدرسي ومسؤول المجال الإعلامي غنام غنام،والتقى وزير الثقافة والسياحة والآثار الدكتور أحمد فكاك البدراني، ونقيب الفنانين العراقيين الدكتور جبار جودي، ومدير عام دائرة السينما والمسرح الدكتور أحمد حسن موسى، معبراً عن سعادته بإقامتها للمدة من 10 ولغاية 16 كانون الثاني يناير 2023بالتعاون مع وزارة الثقافة والسياحة والآثار، ونقابة الفنانين العراقيين، ودائرة السينما والمسرح ، ومؤكداً "حرص صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي على إنجاز دورة فارقة تليق باسم بغداد ومكانتها، وتليق بإبداعات المسرحيين العرب، وبمسرح عربي ينشر رسائل حضارتنا السامية ويوحد جهود وقلوب المسرحيين العرب، حيث ستؤم بغداد في هذه الدورة قامات مسرحية من كل الدول العربية إضافة لأفضل نتاجات المسرح العربي". واسماعيل عبد الله شخصية مسرحية وإعلامية إماراتية وعربية مرموقة. ترأس فريق العمل لتأسيس الهيئة العربية للمسرح منذ 4/6/2007، إلى أن تم تأسيسها في 10/1/ 2008، وهو رئيس مجلس الأمناء والأمين العام للهيئة العربية للمسرح منذ 2008 إلى الآن، ومدير مهرجان المسرح العربي، وتولى مسؤوليات ومهام عدة في المسرح والإذاعة والتلفزيون الإماراتي، فضلاً عن ممارساته الابداعية في التمثيل والإخراج والتأليف وحصده للعديد من الجوائز والمراكز المتقدمة طوال مسيرته الحافلة بالمنجزات المتنوعة، وشارك في العديد من المهرجانات والمؤتمرات المسرحية الخليجية والعربية والدولية وفي لجان التحكيم والندوات الفكرية.. وبغية الوقوف على نتائج زيارته لبغداد وما تمخض عنها من انطباعات وقناعات حول الاستعدادات والإمكانات اللوجستية والبنى التحتية وغيرها، وكذلك الخوض في تفاصيل ومؤشرات تجربته المسرحية الابداعية بما انطوت عليه من محمولات فكرية وجمالية وإبداعية كان هذا الحوار :
* بداية، ما هي الانطباعات التي خرجت بها من جولتكم بخصوص استعدادات العراق بشكل عام كوزارة وكمؤسسات؟
- قبل أن نأتي كنا متفائلين بأننا سنجد الأمور ميسرة في العراق، لأننا نؤمن بوجود بنى تحتية تاريخية، حيث أقيمت خلال الفترة الماضية العديد من المهرجانات إن كانت وطنية أو دولية، وأثبتت من خلال تنظيمها بأنها قادرة على تنظيم كبرى التظاهرات المسرحية الدولية، وبالتالي عندما جئنا تأكدت هذه القناعة،هناك بنى تحتية مؤهلة،هناك استعداد غير عادي لدى الجهات الشريكة، سواء نقابة الفنانين أم دائرة السينما والمسرح. زيارتنا رفعت سقف طموحاتنا، وسقف انتظاراتنا من هذه الدورة التي نأمل أن تكون دورة فارقة تؤسس لمستوى مهرجان مختلف للدورات القادمة.
* ما الذي سيميز هذه الدورة عن نظيراتها تحديداً؟
- للأمانة، أنا لا أريد أن أستبق الأحداث، لأننا نعد، وهذا الخبر لكم حصرياً، لملتقى مسرحي عربي يعقد في الشارقة، نأمل أن نتمكن من تنظيمه بعد رمضان مباشرة، وكما تعلم أننا أطلقنا الاستراتيجية العربية للتنمية المسرحية عام 2013، وهي استراتيجية عشرية، المفترض أنه خلال هذه العشر سنوات استنفذنا المشاريع التي اقترحتها هذه الاستراتيجية، الآن وفي هذا الملتقى سيؤسس الى عشر سنوات قادمة من العمل المسرحي من خلال الهيئة ومن خلال شراكاتها وتعاونها مع المؤسسات العربية والإقليمية والدولية. المهرجان أيضاً في دورته القادمة سيدخل ضمن هذه النقاشات، ليس لدورة بغداد فقط، ولكن للمهرجان بشكل عام، وأعتقد ما سنخرج به من توصية في صياغة هذه الاستراتيجية سيؤدي بالتأكيد الى إضافات نوعية كثيرة قادمة على المهرجان شكلاً ومضموناً.
* خلال هذه الجولة واطلاعكم على كل هذه الامور، ما الذي أثار انتباهك، تحديداً في اللوجستيك العام؟
- الاهتمام غير العادي ومن أعلى المستويات ممثلة بدولة رئيس الوزراء، وهذا موضوع مهم جداً، أن يولي كل هذا الاهتمام بهذه التظاهرة العربية الكبيرة، أن يذلل كل الصعاب التي يمكن أن تعترض طريق تنظيم هذه الدورة، ولو أننا متفائلون حيث لم تكن هناك صعاب، ولكن عندما يهتم رجل بهذا المستوى بهذا المهرجان، فهذا يدعونا الى التفاؤل، والكرة الآن في ملعبنا نحن بالهيئة العربية للمسرح والمسرحيين العراقيين من خلال تنظيم دورة مختلفة في كل شيء.
* ما الذي تتوقعه للدورة قياساً الى كل ما طرحته ؟
- أنا متفائل بنجاح هذه الدورة، نحن نتكئ على إرث حضاري وإرث تاريخي كبير للمسرح العراقي، هذا المسرح الذي نهلنا من معارفه الكثير وما زلنا نتكئ على هذا الإرث في عملنا المسرحي، تنظيماً، انتاجاً، وبالتالي ما يملكه المسرح العراقي يشعرنا بالبهجة والفرح من خلال تنظيم هذه الدورة في العراق، فالجمهور العراقي الذي كنت أتابعه من خلال التظاهرات السابقة التي نظمت في بغداد جمهور غير عادي، فإذا كان حضور الجمهور بهذا العدد وبهذا السقف فهذا أكبر نجاح لهذا المهرجان.
* منذ متى لم تر بغداد؟
- أنا لم أزر بغداد منذ عام 2002.
* والآن جئت بعد أكثر من عشرين عاماً، ما الذي أثار انتباهك في بغداد؟
- تبقى بغداد تمدنا بهذا النفس، بالتأكيد استرجعت ذكريات كثيرة، تألمت كثيراً لهذا الفراق، تألمت في بعدي عنها، وعندما جئت لبغداد شعرت بهذا الدفء الذي كنا بحاجة له، وأنا لا أجامل في قولي هذا، فعندما كان متاحاً لي زيارة العراق سابقاً، كنا نستمد نفساً جديداً، نستمد محفزاً جديداً، لتجويد عملنا والانطلاق به، أعتقد أني استطعت أن أتنفس بما يساعدني في المضي قدماً بهذه الأنفاس على مستوى تجربتي أنا شخصياً، وعلاقتي الوجدانية بهذا المكان، وعلى مستوى عملنا نحن أيضاً في الهيئة العربية للمسرح.
* لننتقل الى التجربة الإبداعية الشخصية.. لماذا المسرح أولاً في حياة اسماعيل عبدالله ؟
- للمسرح فضل كبير عليّ، وأنا دائماً ما أقول هذا الكلام، فمنذ صغري كنت شقياً نوعاً ما، منفلتاً، هذبني المسرح على يد أحد أساتذتي وأنا في الصف الثالث الابتدائي، أدخلني عنوة الى المسرح، ولا أدري ما الذي دفعه لذلك، ولكني أعتقد لإيمانه بالمسرح وأنه قادر على التهذيب، أدخلني ضمن فريق التمثيل المسرحي وأنا في الثالث الابتدائي، وبالفعل ساهم المسرح مساهمة كبيرة في تهذيبي بشكل كبير جداً، ومنه شعرت بأنه البيت الذي يمدني بالأمان ويحصنني لقادم الأيام، واستوعبت الدرس مبكراً، لذلك بقيت علاقتي بالمسرح كالحبل السري واستمرت الى يومنا هذا.. يمكن أن يكون التلفزيون قد اختطفني عنوة للعمل فيه لفترة معينة، ولكني بقيت على اتصال بالمسرح ولم تنقطع تجربتي بالمسرح في الإمارات الى يومنا هذا.
* أنت جمعت بين الكتابة للمسرح، للسينما، للتلفزيون، أيها أقرب اليك؟
- المسرح ثم المسرح ثم المسرح.
* في المسرح، كاتباً، ممثلاً، مخرجاً، والآن مضى عليك مدة غير قصيرة بترك الإخراج والتفرغ تقريباً الى الكتابة المسرحية، ما السر في ذلك؟
- الإخراج كان محطة مؤقتة، حيث مررنا بفترة من الفترات لم يكن لدينا خريجين أكاديميين، بالتالي اضطررنا الى أن نمارس التجربة الإخراجية، لكن هي قناعة تولدت لدي بأني لن أكون مخرجاً متميزاً، وهذا قرار اتخذته بيني وبين نفسي، وبالتالي إبتعدت عن الإخراج فور وصول الدفعة الأولى من الخريجين الأكاديميين في مسرح الإمارات، وجدتهم هم الأقدر على إدارة هذه الدفة، نحن في هذه المرحلة الانتقالية تحملنا المسؤولية، حاولنا قدر الإمكان لما اكتسبناه من أدوات بسيطة ومعارف في تلك الفترة، وتجربتي الإخراجية كانت في المسرح الجامعي أكثر لأنها كانت حرب ضد التغول الديني الذي كان موجوداً في تلك الفترة في الإمارات وفي الجامعة، وبالتالي حاربناهم بسلاح المسرح، فكنت مضطراً الى أن أمارس تجربة الإخراج في الجامعة، بعدها قدمت تجربتين لفرقتي أيضاً، مسرح خورفكان، ولما يسمى بمسرح الامارات القومي، وهذه كانت تجربة استثنائية، شاركنا بهذا العمل في المهرجان الخليجي الأول لدول مجلس التعاون، وبعدها اتخذت قراراً بأني هنا يجب أن أتوقف عن ممارسة الإخراج وركزت علاقتي بالمسرح من خلال التأليف.
* خلال مسيرتك في التأليف لاحظت أن معظم نصوصك تحظى بالجائزة الأولى لأكثر من دورات المسرح الخليجي أو في دورات أيام الشارقة، ما السر في ذلك؟ وهل كنت تسعى في كتابة أي نص من أجل الجائزة؟
- أنا أكتب من أجل الإنسان عموماً، ومن أجل قضاياي، من أجل هذا الوجع، بالتالي موضوع الجائزة لم يخطر في بالي يوماً من الأيام، لكن أعتقد أن عملي باخلاص وجدية أكثر وحرص على أن أذهب الى مناطق جديدة تلامس هذا الوجع للإنسان عموماً، ووجعنا بشكل عام كعرب، وبالتالي فالجائزة هي تحصيل حاصل، ولكن هي بلا شك محفز إيجابي مهم جداً لأي مبدع في أن تدفعه الى ممارسة هذا الفعل المسرحي وعدم التوقف والتجويد أيضاً، وكذلك البحث عن الجديد.
* اذاً أنت ترى أن النص يشكل عمود فقرياً في وقت يتجه فيه الآن مسرح الحداثوي الى الصورة، الى التقنيات، الى ادخال عناصر غير مسرحية في صلب العملية المسرحية، ما رأيك في ذلك؟
- كل محاولات إغتيال المؤلف في رأيي لن تنجح، ومنذ زمن ليس بالقريب، من أواخر الثمانينات، كانت هناك محاولات عديدة لاغتيال المؤلف، ولكن أنا أعتقد بأن أساس النص المسرحي الكلمة، لكن هذا لا يعني أننا نرفض الرؤى الحداثية، المسرح في النهاية صورة، وبالتالي المشهدية يجب أن تتكامل ما بين رؤية مخرج في بناء صورته وما بين الكلمة وقوتها، وبالتالي يصبح المسرح قادراً على الوصول الى المشاهد والتأثير به، ولذلك أنا أعتقد كلما ابتعدنا عن النص كلما افتقدنا الى صياغة عمل مسرحي قادر على التأثير.
* لماذا تركز في معظم نصوصك على النص الفصيح، أو اللغة العربية الفصيحة؟
- أنا متهم بالكتابة بالمحلية أكثر، أنا لدي 35 نصاً، 7 نصوص منها فقط بالعربية الفصيحة، والباقي باللهجة المحلية الخليجية.
* وكيف تنظر لهذه المقاربة؟
- نحن لدينا مشكلة في التعامل مع اللغة العربية الفصحى، فنحن نشعر أنها أحياناً تشكل حاجزاً ما بين ما تريد أن توصله الى الناس وما بين المتلقي، على اعتبار إنها ليست أسلوب حديثك اليومي، وهذا الحاجز موجود بالأساس، فاذا لم تطوع هذه اللغة بشكل تستطيع أن توصل رسالتك من خلال المشاهد ويتلقاها بشكل جيد، فإنها ستصبح مشكلة، لكن هناك موضوعات تحتاج الى أن تتعامل معها باللغة الفصيحة، وبالتالي أنت لا تختار، قضيتك هي من تحدد اللغة التي تتعامل معها.
* ولكن حصلت إشكالات مع اللهجات المحلية قياساً الى اللغة الفصيحة في عدم فهم قطاع واسع من الجمهور غير المعني أو العارف بهذه اللهجة، كيف تحل هذه الإشكالية؟
- من حق الجمهور علينا أن نخاطبه بلغته، ولكن كيف علينا أن نرتقي بهذه باللغة، أن نبتعد عن لغة الشارع المحكية البسيطة، ونرتقي بهذه اللغة، أنا في قناعاتي أن المسرح ولد في أحضان الشعر، وأعتقد أن هذه الشاعرية والشعر إن استطعنا تطويقه في نصوص مسرحية ممكن أن نشكل فارقاً في التعاطي مع النص ولغة النص.
* مصادر كتابتك في النص المسرحي، هل هي مصادر عامة، مصادر خاصة، مصادر محلية بحتة، على ماذا تركز؟
- مصادر نسجتها خلال تجربة حياتية، وهناك مصادر أخرى، تعتمد على الأدب مثلاً، أنا لدي الكثير من المسرحيات إتكأت على روايات عالمية، يعني (السلوقي) مثلاً هي رواية لـبولي كاكوف، (زوبك) لعزيز نيسين، وكذلك سمفونية (الموت والحياة) إتكأت على رواية (الجنرال)، فعندما يشدني عمل ما وأرى فيه أنه من الممكن أن نسقطه على واقعه، فبالعكس يكون متكأً مهماً لي في صياغة عمل مسرحي، لكن بالتأكيد كل ما مررت به في حياتي هو شكّل هذا الوعي عندك، شكل مفرداتك، شكل كل هذه المكتسبات التي من خلالها تستطيع أن تنسج عملاً مسرحياً.
* في ضوء هذا كله، هل ترى أن هنالك أزمة في النص المسرحي العربي أم لا توجد؟
- أنا دائماَ أقول هناك أزمة مخرج، وليست أزمة مؤلف، أزمة بحث، هنالك العديد من المسابقات في التأليف تطلقها هيئات ومؤسسات عديدة، نحن في الهيئة العربية للمسرح نشرك في المسابقات أكثر من 400 نص للصغار والكبار، فهل يعقل في كل هذه النصوص لا توجد نصوص مهمة؟ وهناك مشاركات لكتّاب مهمين، وبالتالي هي مشكلة مخرج، ومشكلة هذا الضياع الآن ما بين الإعتماد على النص أو اختيار المؤلف أو رفضه، هذه هي الاشكالية. حتى المخرجين الذين يذهبون اليوم الى الحداثة حتى وإن اتكأوا على نص مهم تجدهم عبثوا به كثيراً وبالتالي فرّغ هذا النص من كل محتواه ومضامينه وما يحمله من رسالة، لذلك أنا أعتقد أنه ليست هنالك أزمة نص، هناك أزمة رؤى، أزمة خيال وأزمة مخرج.
* هنالك توجه الى المخرج المؤلف، أو المؤلف المخرج، هل أنت على قناعة بذلك، وهل ستلجأ الى خوض هذه التجربة في يوم ما؟
- هناك اشكالية ما بين من يفكر بصياغة سيناريو أو ما يسمى سيناريو العرض المسرحي لدى المخرج، وهذه الاعمال هي التي نتحدث عنها الآن والتي سببت إشكالية، وهذه الحواجز ما بينها وبين المتلقي، وهناك مؤلف يعتمد المخرج على نصه، نص أدبي، ولكن هناك اشكالية، فكثير من هذه التجارب ينتصر فيها المؤلف على المخرج، فتجد الكلمة حاضرة أكثر من الرؤيا، قلة ممن تعامل ككاتب ومخرج إستطاع أن يشكل عملاً مسرحياً مختلفاً ومبهراً، الأغلبية وقعوا في هذا المطب أن ينتصر فيه المؤلف على المخرج وبالتالي ما كتبه وما نراه ترجمة لما كتب. لا توجد هناك رؤية أخرى تستطيع أن تؤول هذا النص وتذهب به بعيداً.
* اذاً أنت لست مع المؤلف المخرج، أو المخرج المؤلف؟
- إبداً. (
يتبع في العدد القادم)