حاوره – عبد العليم البناء
عدسة – وسام سامي
نسعى في (المواطن) باستمرار وبشكل جدي مع الجميع وبدون استثناء، من أجل دعم صناع السينما العراقية وإعادة عجلتها الى الدوران على أسس سليمة وصحيحة، فكان أن فتح لنا وزير الثقافة والسياحة والآثار الأستاذ الدكتور أحمد فكاك البدراني أبواب مكتبه، وقبلها قلبه وعقله، لنحاوره واضعين بين يديه الكريمتين جملة من الأسئلة التي تلح على سينمائيي العراق بشكل خاص، والمعنيين بالشأن الثقافي بشكل عام، فأجاب عليها بمسؤولية وحرص وبما يتوافق وتوجهات رئيس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني والبرنامج الحكومي، لاسيما على صعيد قطاع الثقافة والفنون، حيث بانت بشائر وأشكال الدعم لهذا القطاع الذي يمثل رأس الحربة في القوة الناعمة، بمصداقية عالية وملموسة من حيث الفعل والتأثير.. الأمر الذي لم نكن نلمسه، إلا ماندر، لدى الحكومات أو وزراء الثقافة السابقين ..
فابتدأنا حوارنا مع وزير الثقافة والسياحة والآثار الأستاذ الدكتور أحمد فكاك البدراني بسؤالنا الآتي:
* في معظم دول العالم .. وزارة الثقافة وزارة سيادية لأهميتها بإعتبارها رأس الحربة في القوة الناعمة التي تلعب الدور الكبيرفي البناء الثقافي، ما توجهكم لتحويل الوزارة الى وزارة سيادية كي تمارس دورها الثقافي بشكل فعال ؟
- لا شك أن للثقافة أهمية كبيرة في حياة الشعوب، بصرف النظرعن أن وزارة الثقافة والسياحة والاثار ماذا تشكل، ولكن بسبب الظروف الاستثنائية التي مر بها العراق خلال عقدين من الزمن أعقبت الإحتلال، وكما كل شعب يتم الإعتداء على أراضيه كانت هناك ردود أفعال أدخلت العراق في دولاب كبير، بل كان زلزالاً ساخناً جداً وخصوصاً بعد أن أوغل الامريكان صدور العراقيين على بعضهم، فمن أجل أن يفرقوا العراقيين ومن أجل ان يجعلوا من العراقيين فئويين بذروا بذرة الاختلاف، فنمت الهوية الفرعية على حساب الهوية الوطنية، وبدأ التأزم وألقى بظل ثقيل جداً على الحياة السياسية والأمنية والأقتصادية والأجتماعية والتعليمية وغيرها، ولم تعد لجميع الوزارات أهمية بقدر الوزارات الأمنية التي يجب أن تحافظ على الأمن وحياة الناس، ولهذا كانت المسألة الأمنية في صدارة إهتمام كل الحكومات التي أعقبت عام ٢٠٠٣.
إحتلال ثم فتنة طائفية ثم تحديات الإرهاب واحتلال تنظيم داعش الأرهابي لجزء كبير من العراق، أيضاً مظاهرات الشباب من أجل إحداث تغيير، حيث أبدلت حكومة السيد عادل عبدالمهدي بالسيد الكاظمي بعد صراع داخلي كبير جداً، هذه العمليات كلها استنزفت الوقت والمال والنشاطات، فلم تعد أي حكومة قادرة على تنفيذ برنامجها الحكومي، ومنها وزارة الثقافة، فضلاً عن أن العراق أصبح بسبب هذه الظروف طارداً للسياحة وناشطاً في تهريب الآثارمن قبل اللصوص ومهربي الآثار وعديمي الثقافة وعديمي الوطنية، وهذا أخّر وزارة الثقافة وأضعف موازنتها. لم يشهد العراق إستقراراً سياسياً وأمنياً إلا في حكومة السيد محمد شياع السوداني وانطلاقها في الشروع بتنفيذ برنامجها.
اذاً العبء كبير وثقيل، أولاً يجب تحقيق موازنة عادلة بين الطيف السياسي، ثانياً إحداث موازنة بين الوزارات، ثالثاً إحداث موازنة بين الداخل والخارج، هذه ليست من الأمور السهلة ولا اليسيرة ولا التي يمكن إنجازها بين يوم وآخر، ولهذا كانت وزارة السيد محمد شياع السوداني أمام تحد كبير جداً، وأول خطوة اتخذتها إستمرار دوام الوزراء أربعةً وعشرين ساعة، بما يعني أن نعمل ليلاً ونهاراً، في الوزارة وخارج الوزارة، وتم تكليف جميع الوزراء بالزيارات الميدانية الى كل المحافظات، وتنفيذ برنامجها الحكومي بخط أفقي يشمل بغداد والمحافظات، وفعلاً نفذنا ذلك للإطلاع على الواقع الثقافي وهو ليس بمستوى الطموح، البيوت الثقافية مهملة تحتاج لإعادة بناء البنية التحتية والخدمية، والسياحة معطلة بسبب بعض الدول وادعائها بأن العراق غير آمن وينصحون رعاياهم بعدم الذهاب له، مع أن العراق بلد جاذب للسياحة بسبب موروثه الحضاري الكبير، وليس من شبر في العراق إلا وتحت ثراه حضارة كبيرة، بل حضارة بنيت فوق حضارة.
إستقبلنا أعداداً كبيرة من البعثات التنقيبية وعلماء الآثار الذين بدأوا ينقبون في مناطق عدة من العراق، دوّنا في اليونسكو على لائحة التراث العالمي مواقع سامراء وعكركوف والأهوار وبابل وغيرها، بمافيها التراث غير المادي.
* اذاً هناك توجه حكومي بعد هذا الاستقرار الذي بانت بشائره مع تشكيل الحكومة الجديدة لجعل الوزارة تلبي طموحات الوسط الثقافي والشعب العراقي؟
- من خلال عملها ستثبت الوزارة أنها وزارة متقدمة، فقد نفذنا كثيراً من البرامج منها أربعة مهرجانات مسرحية كبيرة كان آخرها مهرجان المسرح العربي للهيئة العربية للمسرح، ومهرجانات سينمائية، ومهرجانات فنية وثقافية، وفي قاعة المسرح الوطني لا يمر أسبوع إلا وهناك نشاط كبير جداً، مهرجانات شعرية في أغلب المحافظات، وهناك مهرجان المربد، وسبق مهرجان الربيع في مدينة الموصل، وللمرة الأولى يجتمع ما يقارب الثمانين ألفاً أمام منصة الأحتفال، فمنذ ثلاثين عاماً لم تشهد الموصل مثل هذا المهرجان الذي أوصل رسالة قوية الى المجتمع الدولي بأن العراق عاد بلداً آمناً، ومهرجان الكُميت في ميسان، ومهرجان في صلاح الدين، وثلاث مهرجانات مسرحية وأدبية في كركوك، وفي الأنبار، ومع الدكتور علي الشلاه كان لدينا مهرجان بابل للثقافات والفنون وقريباً ستعقد دورته الثالثة، وهناك اهتمام بالقشلة وجعلناها منطقة جذب للسياحة الثقافية..
وضمن مشروع (نبض بغداد) اهتم دولة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بتأهيل منطقة بغداد القديمة التي تمتد بين وزارة الدفاع القديمة الى شارع المتنبي امتداداً الى ما بعد القشلة الى حدود جسر السراي. وفي مجال الإعمار وبالتعاون مع منظمة اليونسكو وهيأة الاثار وبعض الجهات الدولية المانحة مثل الإمارات العربية المتحدة تمت إعادة بناء أكثر من 13 بيتاً تراثياً في البصرة و ١٢٥ بيتاً في الموصل القديمة، فضلاً عن جامع النوري الكبير والمئذنة الحدباء، التي ستعود حدباء كما كانت، وكنيستين منها كنيسة الآباء الدومينكان هذه الكنيسة التاريخية والتي من خلالها دخلت الطباعة الى العراق عن طريق الآباء الدومينكان، وحدث عليها إعتداء جائر من قبل عصابات داعش، وكذلك كنيسة الطاهرة وهي من الكنائس القديمة جداً، وأنا متابع لهذا الموضوع وفي زيارات مستمرة الى هذه الأماكن وهي قاب قوسين أو أدنى من الإكتمال.
* لننتقل الى السينما وهي صناعة وتجارة وإبداع وثقافة لكنها ما زالت تفتقر الى الكثير من مستلزمات الانتاج ومنها مدينة للإنتاج السينمائي فما خططكم للنهوض بالسينما ؟
- السينما العراقية على الرغم من قدمها إلا أنها لم تشهد تقدماً حتى في السبعينات أو الثمانينات أو التسعينات لأسباب كثيرة، وكان نشاط السينما المصرية كبير جداً وانعكس ذلك على نشاط السينما في منطقة الخليج العربي.
السينما العراقية قديمة لكنها تباطأت، وما آراه شخصياً أنه بسبب عدم وجود شركات الانتاج الخاص، وأن نلقي كل شيء على عاتق الحكومة هذا لا يحقق نجاحات كبيرة،الموظف يقدم على قدر ما يأخذ أما شركات الانتاج فهي تعمل ليل نهار حتى تحقق الأرباح والشهرة، فضلاً عن توظيفها الكثير من الأيدي العاملة في صناعة السينما، نعم السينما صناعة وتجارة وإبداع وثقافة وإثراء، ووجود شركات الإنتاج يدعم السينما الى الأمام، ورئيس الوزراء مشجع لهذا التوجه. وهذه رسالة أوجهها لأصحاب رؤوس الأموال المهتمين بصناعة السينما، الدولة والحكومة على استعداد لدعم شركات الإنتاج من أجل النهوض بواقع السينما، ودعمها يأتي من خلال الحوار مع الوزارة ومع دائرة السينما والمسرح ومع نقابة الفنانين، ممكن أن نصل الى منحهم القروض الى أن تتحقق نجاحات، فأرجو من المهتمين بهذا الجانب السعي الى تأسيس الشركات، وإن أسسنا شركتين أو ثلاث وأصبحت هناك منافسة لتقدمت السينما وحققت نجاحات كثيرة. الآن دولة رئيس الوزراء ووزارة الثقافة تركز على سينما الشباب بوصف الشباب يعملون بحيوية ونشاط واندفاع كبير وسعي الى تحقيق الأهداف بأقصر الطرق وأروعها، ولكن الشباب يحتاج الى من يأخذ بيده.
* السينما تحتاج أيضاُ الى صندوق لدعم السينما، على غرار صناديق دعم السينما في البلدان الأخرى؟
- في وقت مبكر من استلامنا للوزارة وفي هيأة الرأي طرحنا فكرة إنشاء الصندوق، وكان من الممكن أن يكون صندوقاً متعدد الجنبات بحسب تخصصات الوزارة، نستثني من ذلك هيأة السياحة لأنها بفضل الله وبفضل العاملين فيها أصبحت رابحة بعد أن كانت هيأة خاسرة، وتأسيس الصندوق والنهوض بصناعة السينما يحتاج الى قوانين، ونحن سائرون بهذا الطريق وكلفنا لجنة منذ مدة ليست بالقصيرة تعمل على ذلك، وبرغم هذا إلا أن دولة رئيس الوزراء كريم جداً معنا ومنح كلاً من نقابة الصحفيين ونقابة الفنانين خمسة مليارات دينار، ومليارين للسينما، ومنحة أخرى للدراما، ووصل الدعم الى قرابة الأربعة عشرة مليار دينار الى كل قطاعات الثقافة المهمة بما فيها إتحاد الأدباء.
الحكومات السابقة لم تعط للوزارة هذا الدعم الكبير جداً، رئيس الوزراء يسعى معنا لإنجاح الوزارة ويسعى معنا لإنجاح الفنون والثقافة عامة، والتقى دولة رئيس الوزراء مع المستشارين وكنا معه بأكثر من خمس وخمسين شخصية ثقافية وفنية، وخلال اللقاء أطلق مشروع دعم الدراما والسينماوغيرهما، وباشرت الجهات، وتم إبرام بعض العقود مع شبكة الإعلام العراقي للإنتاج الدرامي الذي من المؤمل أن يعرض بعضه في رمضان المقبل، وهذه باكورة عمل جيدة وطالما الوضع العام مستقر سوف تستمر الوزارة وبدعم من رئيس الوزراء العمل.
ونحن طرحنا أيضاً (صندوق الوفاء) لكي ندعم المرضى من الفنانين والأدباء والصحفيين ونعمل على تفعيله. * جائزة الإبداع من الجوائز المهمة في نهج الوزارة، هل بالإمكان تحويلها الى جائزة دولة كما هو حاصل في بلدان أخرى؟
- كتبنا بهذا الموضوع، والجائزة عشرة ملايين دينار ليس بمبلغ كبير ولكنه أيضاً ليس بالقليل.
* كان من ضمن الفائزين بها الزميل سعد نعمة بجائزة أفضل سيناريو فيلم روائي طويل، فهل بالإمكان دعم تنفيذ السيناريو بفيلم سينمائي وكذلك بقية الجوائز؟
- في الحقيقة الدولة والحكومة داعمة لكل المبدعين، والآن تشكل مجلس الشباب الأعلى برئاسة دولة رئيس الوزراء، ونبحث عن المبدعين أينما كانوا، ولن تتأخر الحكومة بدعم المبدعين داخل وخارج العراق. ورسالة لكل المبدعين أن يتواصلوا لتقديم أفكارهم وآرائهم.