كتب :عبد العليم البناء
شجرة الإبداع العراقي ، وبالتزامن مع الاحتفال بالعيد الوطني للصحافة العراقية الذي يصادف في الخامس عشر من حزيران الحالي، فقدت واحداً من أعمدة الصحافة والإعلام العراقي والعربي، رائد الكتابة الساخرة في العراق الكاتب والصحافي اللامع خالد القشطيني، الذي رحل السبت الماضي 3/6/2023 في ديار الغربة، وتحديداً في دار للرعاية في العاصمة البريطانية لندن، عن عمر ناهز الأربعة والتسعين عاماً، بعد معاناة طويلة مع المرض، كما هو حال كبار مبدعي العراق الأفذاذ الذين قضوا وفي قلوبهم حسرة وآلام جثمت طويلة، بسبب هذا الاغتراب القسري الذي كان بمثابة ضريبة يدفعونها جراء وقوفهم بوجه الدكتاتورية والاستبداد والظلم والاضطهاد بشتى أنواعه، دفاعاً عن حقوق ومقدرات شعب العراق الجريح الذي مازال يعاني من ويلات مريرة ومتنوعة، وسعياً الى حياة حرة كريمة بعيدة عن التهميش والإقصاء والمحاصصة الطائفية والعرقية والحزبية المقيتة المتوجة بالإرهاب وآفة الفساد التي مازالت بالبلاد.
لم تكن سيرة الراحل القشطيني تقليدية مثل بقية أقرانه ونظرائه،باستثناء الفنان القدير يوسف العاني، فإذا تصفحنا هذه السيرة العطرة لهذا الكاتب والإعلامي الكبيرالمولود في منطقة الكرخ، بغداد، عام 1929، تخرج في كلية الحقوق في عام 1953، ودرس الرسم في معهد الفنون الجميلة عام 1952، ثم حاز على بعثة حكومية لدراسة الرسم والتصميم المسرحي في بريطانيا، ودرس هاتين المادتين حتى عام 1957، عاد بعدها إلى العراق للتدريس في معهد الفنون الجميلة، وعمل في المحاماة والصحافة والكتابة، ثم غادر العراق عام 1959 والتحق بالإذاعة البريطانية وبقي يعمل فيها حتى 1964، ليتفرغ بعدها للصحافة، التي فاز بجائزتها في الإمارات عام 2015، عن عموده الصحافي. كان والد القشطيني معلما، ويعزا لوالده الذي كان معلماً، الفضل بحصول ولده على التعليم الجيد في ذلك الوقت، وتنوعت إسهامات القشطيني بين الكتب الثقافية والسياسية، والمسرحيات، لكنه برز بكتابة المقالات الساخرة وعرف بعموده الساخر في أخيرة صحيفة (الشرق الأوسط) التي تصدر في لندن الذي استمر بكتابته لسنوات، كما كتب القشطيني باللغتين العربية والانكليزية، وله كتب عدة منها: على ضفاف بابل، ومن شارع الرشيد إلى أكسفورد ستريت، وأيام عراقية، وحكايات من بغداد القديمة، والساقطة المتمردة : شخصية البغي في الأدب التقدمي..
ويؤكد المتابعون والعاملون معه من كبار الصحفيين العرب لعطاءاته الابداعية الثرة لاسيما على صعيد الكتابة الساخرة أنه " ركز على دراسة السخرية وتحليلها كما اهتم بكتابتها،إذ كتب الظُرف في بلد عَبوس، ومن جد لم يجد، فكاهات الجوع والجوعيات، وعالم ضاحك... فكاهات الشعوب ونكاتها، والسخرية السياسية العربية، وأن قفشاته ونكاته المميزة ستبقى "حاضرة ونابضة".
وتنوعت إسهامات القشطيني بين الكتب الثقافية والسياسية، والمسرحيات، لكنه برز بكتابة المقالات الساخرة وعرف بعموده الساخر في أخيرة صحيفة الشرق الأوسط الذي استمر بكتابته لسنوات.كما كتب القشطيني باللغتين العربية والانجليزية، وله عدة كتب منها، على ضفاف بابل، ومن شارع الرشيد إلى أكسفورد ستريت، وأيام عراقية، وحكايات من بغداد القديمة، والساقطة المتمردة: شخصية البغي في الأدب التقدمي، وله مسرحيات منها (نقطة عبور جسر اللنبي) و(البرميل).كما نشرت للكاتب أيضاً مقالات تمتاز بالسخرية والفكاهة ومنها (هموم مغترب) و(عالم ضاحك) و(سجل الفكاهة العربية) و(صباح الخير).
ركز القشطيني على دراسة السخرية وتحليلها كما اهتم بكتابتها، إذ كتب الظُرف في بلد عَبوس، ومن جد لم يجد، فكاهات الجوع والجوعيات، وعالم ضاحك... فكاهات الشعوب ونكاتها، والسخرية السياسية العربية، وبالإضافة إلى المقالات والكتب الساخرة، كتب سياسية مثل تكوين الصهيونية، والتجربة الديمقراطية في عمان، ونحو اللاعنف. وكتب القشطيني للعديد من المجلات العربية البارزة مثل آفاق، والعربي، والناقد، والقاهرة، لكن عموده (أبيض وأسود) الذي كانت تنشره صحيفة الشرق الأوسط منذ الثمانينيات كان واحداً من أبرز أعماله، ونشر خالد القشطيني في السنوات الأخيرة كتاباً عن سيرته بعنوان (زمن في العراق وإنكلترا)، تحدث فيه عن شخصيته منذ ولادته ونشأته في بغداد، ولاحظ أن ما كتبه لم يكن مجرد عرض لحياته، وإنما عرض لحياة المجتمع العراقي والعراق ككل.
كلنا أمل أن تستذكره نقابة الصحفيين العراقيين في احتفالها بالعيد الوطني للصحافة العراقية يليق بتاريخه ومكانته وعطاءاته المهنية، الذي برحيله يفقد الإعلام العربي رمزاً من رموز الإبداع الأصيلة لاسيما في دفاعه عن حريات الجميع دون استثناء.