14 Mar
14Mar

  كمال القاضي

 يستحوذ مسلسل (الحشاشين) المؤجل عرضه من العام الماضي على اهتمام كبير، كما أنه يُثير جدلاً واسع الأصداء، حيث تم وضعه على خريطة الدراما الرمضانية المُجهزة للموسم الوشيك، الذي سيبدأ مع ظهور رؤية هلال شهر رمضان الكريم.

 ويأتي الاهتمام بالمسلسل المذكور على عدة خلفيات أولها، العنوان المُلتبس الذي يحتمل التأويل لأكثر من معنى، فهو يُشير بشكل مباشر إلى عصابة أو جماعية الحشاشين بقيادة حسن الصباح، التي ظهرت في القرن الحادي عشر الميلادي واقتصر نشاطها على اغتيال الشخصيات السياسية المرموقة من ذوي السُلطة والنفوذ، وهو ما يرجح تصنيفها كجماعة سياسية اضطلعت بمقاومة الفساد والفاسدين في الفترة التي ظهرت فيها. 

لكنْ ثمة خلاف كبير قائم الآن بين المؤرخين والمُثقفين والمُهتمين بالتوثيق على أصل التسمية، فقد تضاربت الآراء والأقوال حول صحة ما يتردد ويُكتب في هذا الشأن، فهناك من يزعم أن جماعة «الحشاشين» عُرفوا بهذا الاسم لأنهم كانوا يتعاطون الحشيش بشكل دائم، ويعتقدون أنه يمنحهم القوة والجرأة ويزيل لديهم الرهبة والمخاوف عند الإقدام على تنفيذ عملية اغتيال ما لأحد الشخصيات المُستهدفة. 

وهذا ما يختلف عليه فريق آخر يرى أن تسمية الحشاشين لم تأت من فكرة إدمان الحشيش، وإنما الأصل فيها يرجع إلى عمل فرقة الحشاشين بقيادة حسن الصباح في مهنة جمع الحشائش والأعشاب التي تُستخرج منها العطور والأدوية، وأن إلصاق تهمة الإدمان بهم أمر عار من الصحة، وخارج المنطق لأن الجماعية عُرفت تاريخياً بمرجعيتها الدينية والروحانية، إذ ظهرت في بلاد فارس عام 1090 واتخذ أعضاؤها من قلعة الموت في شمال إيران مقراً لهم.

 وقد اتسعت رقعة نشاط الجماعة بقيادة زعيمها ومؤسسها حسن الصباح ومعاونة صديقه رشيد الدين سنان، الذي كان يُمثل الزعامة في عمليات الاغتيال والمُخاطرة، حيث امتدت العمليات التوسعية إلى أجزاء من سوريا ولبنان وتمكن مُنفذو الاغتيالات من القضاء على شخصيات مهمة وشهيرة مثل ريموند الثاني كونت طرابلس، وكونراد دي مونفيراتو أحد كبار القادة العسكريين.

 وفي أثناء قيام جماعة الحشاشين الشيعية بغزو بلاد الشام والتوسع لبسط نفوذها على بقية المناطق الحدودية المجاورة، اصطدمت بالمماليك وعدد من الدول السنية، فالجماعة التاريخية كانت مُقسمة إلى فئتين، فئة تشكلت من بعض الفدائيين وتخصصت في تنفيذ عمليات الاغتيال، وفئة أخرى أطلق عليها اسم الباطنيون وهؤلاء اهتموا بدراسة الفلسفة والجوانب الروحانية، وكانوا يزعمون أنهم من نسل النبي محمد ويعتقدون في تناسخ الأرواح، أي انتقال الروح بعد الموت من الشخص الميت إلى جسد شخص آخر.

 ويفرق الفلاسفة المنتمون إلى المذهب الباطني بين ظاهر الدين وباطنه فهم يرون أن المعنى الحقيقي للنصوص الدينية ليس ظاهراً لكل الناس، ومن ثم يعطون لأنفسهم حق التأويل، أي أن لكل حدث ديني أو دنيوي معنى رمزيا خفيا. 

ومن بين المُختلفين على هوية وطبيعة جماعة الحشاشين أطراف أخرى ترى أن مُسمى الحشاشين هو خطأ تاريخي فادح فالجماعة تنتسب للشيح الحسن بن الصباح، لذا فإن التسمية الصحيحة هي جماعة الحساسين نسبة إلى جدهم الحسن. 

وهذا الرأي أيضاً مشكوك فيه من وجهة نظر البعض، إذ تعود التسمية، حسب ما ذكرت مصادر تاريخية غير موثقه إلى «العساسين» أي الحرس أو العسس الذين كانوا يقومون بدور رجال الشرطة آنذاك، لهذا سُميت الجماعة بالعساسين ومع الوقت حُرفت إلى الحشاشين واقترنت في ذهن العامة بالحشيش كعقار ومُخدر.

 وبغض النظر عن المسميات وأصلها وتأويلاتها، فإن الجماعة التي ظهرت في القرن الحادي عشر والتفت إلى دورها وأثرها الكاتب عبد الرحيم كمال وحولها بعد البحث والتنقيب إلى مسلسل درامي، باتت تُمثل حالة إبداعية مُغايرة ومُختلفة وبالقطع سوف يترتب على مضمونها بعد مشاهدة الحلقات ردود أفعال كثيرة وقراءات نقدية مُتعددة، وليست هذه هي المرة الأولى التي تتسبب فيها كتابات عبد الرحيم كمال في إحداث ضجة حول الشخصيات والأحداث والأبعاد التاريخية، فقبل سنوات كانت قصة الخواجة عبد القادر، في المسلسل الذي قام ببطولته يحيى الفخراني، تلك القصة بتفاصيلها الإنسانية العميقة رفعت نسبة المشاهدة إلى أعلى مُعدلاتها وأدى توظيفها الدرامي والفني إلى حراك شديد كان له بالغ الأثر في إعادة الثقة بالمُصنف الإبداعي المصري وهذا ما يمُكن أن يتكرر مع مسلسل (الحشاشين) مهما اختلفت الرؤى والأحكام التاريخية ووجهات النظر.

وربما تعود الإفادة من هذا الجدل في المقام الأول على المخرج بيتر ميمي الذي يبحث دائماً عن الصعب والمُختلف ليُضيف إلى رصيده عملاً جديداً فارقاً وكذلك الأبطال كريم عبد العزيز وفتحي عبد الوهاب وأحمد عيد وسوزان نجم الدين.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن