د . فيصل عبد عودة
في هذا النص المفعم بالفوضى تجاوز المؤلف حالة الإنتظار ليجد الإنسان ذاته مُنتَظِراً ومُنتَظَراً في الزمن نفسه.
وهنا تكمن فلسفة اللاجدوى التي هي جدل العلاقة مع حركة الزمن التي بناها المؤلف على واقع عبثي ضمن إستعارة خيالية وهي إعادة طاقة المؤلف صاموئيل بيكيت والتي تساوقت مفردات النص وعبّرت عن حالات التشرد والتيه والفوضى والمهزلة والألم التي تعيشه شخصيات العرض بيكيت وإستراجون . فعمد المؤلف إلى إستحضار فعل الإنصهار لدى الممثلين وتذكيرهم بالحروب والحرائق ونيرون حيث فجَّر المخرج الملفوظ النصي على وفق الواقع المتخيل وتحويله إلى صور متحركة إنطلقت من الأزمات النفسية التي عايشها الممثلون وتولدت منها معاناة بأشكال فنية كان لإستخدامها من قبل الممثلين إنتاج فوضى جديدة ولا جدوى جديد يضاف إلى أصل الحكاية (الإنتظار).
وكما كان الملفوظ النصي يعتمد على نظام اللغة فإن ذات المؤلف تنتهي تداوليتها على هذا المستوى المجرد لتحقيق التداول البصري في العرض وتحويل الإشارات اللفظية إلى أفعال متحركة مع ديكور بسيط وفاعل تحكّم بدلالات واضحة أعطت معانٍ مستترة غاطسة .
ومن خلال هذه التوطئة للعرض نستطيع أن نتوصل إلى : أولاً : ساهمت مخيلة المخرج تجاه المنظومة البصرية وتحديداً مع الممثلين لنقل سلوك ووعي الشخصيات على مستويين: الأول، سيطرة المخرج على المنظومة البصرية للعرض على وفق القراءات الجمالية.
والثاني، سيطرة الممثلين على أدوات العرض المسرحية والتي إنسجمت مع مكملات العرض الأخرى . ثانياً : تعميق فكرة الإنتظار لبناء سينوغرافيا العرض من خلال ما أسماها ( بريغوجين ) اللاإتساق في العلاقات ما بين عناصر السينوغرافيا، وهي تحقيق لظاهرة (التغذية / الراجعة / العكوسية) التي جعلت من بيكيت هو الآخر مُنتَظِراً.
ثالثاً : تم بناء العرض على مستويين هما: مستوى الماديات، المُنتَظَر الغائب، الزمن العكوسي، ومستوى فعالية التخيل التي أدّت إلى تحويل المكونات المادية من بُعدها الواقعي إلى البُعد الخيالي.
رابعاً : إن الممثل بالعرض هو صانع الإنشاء والتكوين بمهاراته الجسدية والتحول بالأداءات وهنا يُعلن بريغوجين منطقاً ( كايوسياً) فوضوياً بقوله :
"إننا نعيش في عالم يتطلب تكاملية وأسئلة هي الحاجة والرغبة والدهشة التي من غير دوافعها لم يتسنَّ للإنسان بناء الحضارة بفضل أجوبته عن الحاجة للفن والعلم والدهشة بالفلسفات والرهبة بالأديان، وهكذا يتحقق للإنسان وجود آمن وماهية إنسانية كريمة".
وهذه دعوة كايوسية إلى تصحيح فهمنا عن الكون والطبيعة. فكان للجمهور موقعاً من مكونات فضاء السينوغرافيا حيث لم يتدحرج في الإيهام بل شارك بفعل التخيل وهذه سمة جمهور الواقعية الخيالية.
خامساً : إن فقدان المكان في فضاء السينوغرافيا حيث تم تحقيقه بفعل قصدي كنوع من (ظاهرة اللإستقرار والتأرجح ) الكايوسية بفعل أداء الممثلين وتوظيف المهارات الجسدية عبر خيالهما.
سادساً : إن فعالية الممثل الفردية ليست محكومة ب (اللاجدوى) التي هي فعل كايوسي بل لها أثر محدد، ومع ذلك ففردية الممثل شكلت تهديداً سببه تبدد القواعد الدائمة والثابتة في العرض التي دعت وأنتجت الأمل عند الجمهور والعكس صحيح بدلاً من الحزن والدمار والموت.*
سابعاً : عمد المخرج إلى الإختزال في تأثيث الوحدات البصرية في سينوغرافيا العرض، ومن ثم إعادة إنتاج العناصر المادية عبر الخيال المبدع للممثلين بسبب وقوعه خارج الوعي القصدي فذهب إلى ما وراء الإستبصار وفوق المرئي وما وراء المدرك المباشر …
المسرحية من إنتاج جماعة الناصرية للتمثيل ونص : مثال غازي، وإخراج : سجاد حسين، وتمثيل : محمد الخفاجي بدور بيكيت، وحيدر حسين بدور إستراجون، وأحمد محسن وكرار علاء الرجلان.