26 Sep
26Sep

د. محمد فضيل الخفاجي 

ينشر (الزيدي) المؤلف والدراماتورج شخصياته المثقلة بالهموم والوجع اليومي الممتد لأكثر من أربعين سنة على رصيف إسفلتي أسود قاتم كقتامة أيامها السود وهي تقف مرغمة أمام إشارة الضوء الأخضر دلالة ورمزاً لتلك الكوابح الحياتية التي تقف مصداً أمام رغباتها المشروعة، سداً منيعاً لتلك الحياة الحاملة لهمومها مسرعةً للحاق بها..

 شخصيات ميتة بالية رثة منهكة هدها التعب والألم النفسي والجسدي؛ ولهول ما عانته فهي تنتقل من العالم المادي القاسي إلى عالمها الافتراضي المتخيل الذي يقترب ويلامس لحظات الجنون والهوس.. ذلك الرصيف الذي دجّن ودبغ لحظات حياتها المتعبة بالألم على أمل الوصول إلى ذلك المآل المبتغى؛ ليطفيء شيئاً من ألمها والعيش تخيلاً كلحظة مسروقة من ذلك الزمن القاسي..

 فكل شخصية تنشد ذلك المكان الأبيض الذي يقع على الطرف المقابل للرصيف ليجعل الوصول إليه صعب المرام ليتصير مكاناً يوتوبياً مشتهاه.. 

فهو يبدو مشفاً لتلك الزوجة الراحلة؛ وبيتاً لتلك الحبيبة المغادرة؛ وجامعاً ومكاناً للحج لذلك الأعمى البصير ببصيرته؛ ودائرة تجنيد لذلك الجندي المحارب الشهيد؛ ودائرة بريد لتلك المرأة التي طال انتظارها وباتت إمرأة ذات صفات رجولية.. يصغّر (الزيدي) أسماء شخصياته رمزاً  لذلك الحيف الذي أصابها ولذلك الحظ العاثر الذي اختط بها حياتها..

 ف(سعيّد/وحيّد/حميّد/صبرية) ما هي إلا أوصاف لها دلالاتها في القلة والعوز والحرمان.. مسرحية (صفصاف) صورة ملغمة بالألم والموت وعجلة الحياة القاسية والحرب والجوع والقهر تهرس ذواتاً وتقتل أحلاماً ما كان لصاحبها أن يحلم أو أن يعيش؛ فالكل صائر تحت دوامة الفقد والكل صائر تحت دهشة المصير المحتوم.. 

والكل مستسلم لقدره وصائر إليه مرغماً؛ وكمعادل موضوعي لهول تلك الخسارات والانهزامات والانكسارات تتصير  الشخصيات إلى حالات من الجنون والغيبوبة وعدم الوعي؛ فهي تارةً تنطق حكمةً وتارةً تنطق هلوسات وتعبيرات تنم عن الجنون والبوح الداخلي لذلك الاستسلام والقهر والاغتراب والاستلاب الذي عاشته على أمل العبور إلى الجهة المقابلة الرصيف حيث الصفاء والهدوء واللذة.. 

(صفصاف) عرضاً قاسياً مؤلماً لامس ذواتنا التي عاشت هي الأخرى ذات المصير بأوجه أخرى.. فالكل نال نصيبه من عجلات ذلك القطار الطاحن لمفردات الحياة وسمع أنين النائحات الباكيات.. 

(صفصاف) تلك الشجرة التي لم تثمر إلا أنيناً ونوحاً وموتاً وبكاء؛ استعارة (الزيدي) عنواناً لمسرحيته دلالة لرمزيتها بالعلو والارتقاء والحكمة والشفاء وانتظار الفجر تطهيراً لذواتنا المتعبة كذوات شخصياته المرهقة كمداً وضياعاً.. 

مسرحية (صفصاف).. تأليف ودراماتورج علي عبد النبي الزيدي.. تمثيل: محسن خزعل/محمد خريش/عمار نعيم /عماد الزيدي/أحمد شنيار.. سينوغرافيا علي المطيري.. موسيقى علي عادل.. مسرح الرشيد.. بغداد.. ٢٣/ ٩/ ٢٠٢٣ الساعة السابعة مساءً.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن