نعيم عبد مهلهل
جاء الاستاذ كامل عباس الموسوي ليدرس مادة الرسم ولفترة قصيرة الى ثانوية الناصرية عام 77 ، وكنت في المتوسطة في ظل حماس نهضة تشكيلية قادها بعض الفنانين الشباب في ذلك الوقت وتخرج على أيديهم نخبة جيدة من الفنانين التشكيليين وكان للموسوي حصة كبيرة في هذا الدور .
وساهم ايضا في ذات الفترة بتأسيس اول فرع لنقابة الفنانين في الناصرية ، واهداها مقر النقابة عددا من لوحاته لتزين جدران النقابة التي كان مقرها الاول في بيت بشارع الحبوبي.كامل الموسوي هو واحد من تجارب الوعي الفني واشتغل برؤاه المكثفة في اظهار الكتل اللونية وشخوصها بتقنية حادة ، ولكنها تفاجئك بجمال سطوتها وحضورها داخل اللوحة وقد استعان بتجارب عالمية في اختيار المنظور والزاوية ومساحات الضوء لكن الفكرة في اللوحة هي تمثل في قيمتها وخصوصيتها الامتياز الذي يخص الفنان كامل الموسوي ، فهي تجذب ناظرها مشاهدا او ناقدا بسحرية ووعي وانبهار ، ومع الحشد الكبير من صناع الجمال والفن التشكيلي وضع الموسوي بصمته ورؤيته التي اجتهد في تطويرها واستفاد في مرات كثيرة من عزلة يفرضها على نفسه في مرسمه داخل بيته ليفاجئنا بكم كبير من الاعمال الفنية تحمل رؤية لونية وفكرية وجمالية جيدة وقبل ان يفكر لتكون معرضا فنيا ، فهو يدعو اصدقاءه المقريبين ليشاهدوا تلك الاعمال ،وكنت انظر اليها واليه فيرد عليَّ ضاحكا :لاتسألني ، أسأل اللوحة فهي من تجيبك.
وحين أسالها عبر ما تثيره فينا من تاويلات وجمال فاشعر ان العالم الفني لكامل الموسوي يتسع برؤاه وتحولاته وقدرته على مجارات رؤى الروح في الريشة وذاكرته والهاماته التي تتحول مرات لتكون شكلا صوفيا للتعامل مع العالم من خلال الحلم والعزلة ومؤثرات المكان .
الجديد الذي احبه في تجربة كامل الموسوي هو الاشتغال السومري والحضاري والبيئي في موضوعات تجربته الجديدة ،فمتى نظرت الى اللوحة السومرية التي تتعدد صورها مواضيعها في تلك التجربة حتى تكتشف تماما ان الموسوي يصعد بك في مركبة الزمن ويعيدك الى الوراء لتكتشف انك في بانوراما سحرية واسطورية لاشياء ذلك العالم وما تركه اليوم لنا من اثر جليل ، ملوك وكهنة ووموسيقيين واميرات وصيادي سمك واولح طين ومنحوتات وحروف مسمارية .
جمع سحري لكل موجودات الحضارة الاورية ــ السومرية تتقنها بحرفية وجمال وايحاء لوحات كامل الموسوي عندما يغوص في رؤى المكان في اللون والبناء والحس والشخوص ، ويجعلك تركب قارب الصياد السومري الاول ( آدابا ) لتذهبان معا لتشاهدا كيف كانت الالهة تبني لها بيوتا من الطين والقصب في عمق الاهوار.
العالم السومري لكامل الموسوي هو دهشة جديدة في اكتساب النمط الجديد بشكله البنيوي والاسطوري والجمالي الذي ينجح في المجيء بالزمن البعيد ومؤثراته ، وتشعره هذا في واحدة من لوحاته تكون فيها شبعاد موجودة وقيثاراتها معك لتشعر فعلا انك تسمع الحانها لاول مرة يوم اجبرت لتدفن في الاقبية حية مع زوجها المتوفي لتشعر وانت تشاهد لوحة الموسوي انك تشاهد خيال الوهم الذي صنعته دلمون وازلها السومري في المخيلة الميثولوجية ــ السومرية .
لتشعر ان اللوحات بشكلها الواقعي الدقيق انما في متعة النظر تتحول فيها وبشكل مفاجئ الى مناخ اسطوري يمنحك سياحة البوح والنظر والتمتع وكأنك تكرع مع الالهة انخابهم وتؤدي مع الكهنة طقوسهم وتحضر مراسيم تنصيب ملوكهم وامرائهم .عالم كامل الموسوي في جهة الاخيلة السومرية بالنسبة لي متعة روحية وميثولوجية تستطيع فيها ان تعرف ما كنا نمتلك ونتوارث من بهاء جماليات العيش الحضاري الذي صنع للجنوب العراقي حضارة الحلم والكتابة والأسطرة والفن الراقي.اشعر ان كامل الموسوي بعمره الفني الطويل والخصب قد انتج لنا عالما غزيزا من ابتهالات اللون اللون والضوء وهو من اؤلئك الذين احبوا المكان السومري والتصقوا به فنا وعيشا ...
ان تجربته الجديدة للفنان الموسوي هي في لغتها ورسالتها وجماليتها دعوة الى رعاية الاثر والاحتفاء به والرفق به من قوة ضربات معاول التنقيب ودرء اللصوص والسراق عن تراثنا السحري النائم اغلبه الآن تحت التراب وفي عشرات المواقع الاثرية.وأخيرا كامل الموسوي مع مدينته الناصرية له حكاية من الالتصاق والاصرار على العيش فيها واستلهام كافة عوالمه واحلامه الفنية من بيئتها وازمنتها وامكنتها .فهو يقول في حوار قديم لي معه : الناصرية تمثل المنشأ والطفولة وفضاء الاحلام الاولى .وانا بدون حضور الصباح الناصري بنسائمه وهي تملأ صدري لااستطيع ان ارسم شيئا .
لأقل لك أن الناصرية هي حياتها بشكلها الروحي والفني والاسطوري.