21 Oct
21Oct

متابعة- عبد العليم البناء

 تواصل دار الفنون والآداب للطباعة والنشر والتوزيع التي تعنى بنشر كل ما يتعلق تحت شعار (نختصر المسافات بفاعلية الفكر) جهودها الفكرية والمعرفية  الهادفة إلى رفد الساحة الثقافية بالجديد من الإصدارات لكوكبة من الكتاب والمؤلفين العراقيين في شتى شؤون المعرفة والثقافة والفنون وفي مقدمتها أبو الفنون فن المسرح ، الذي يرتبط إرتباطاً عضوياً بالجمال عبر عديد العروض المسرحية التي تسهم فياستلهام  وتأسيس المعايير الجمالية، إنطلاقاً من أن "الجمال هو قيمة مرتبطة بالغريزة والعاطفة والشعور الإيجابي، وهو يعطي معنىً للأشياء الحيوية، ليس له وحدة قياس فكل إنسان يراه بشكل مختلف، مثل: الخصوبة و‌الصحة و‌السعادة والطيبة و‌الحب و‌الإدراك.

كما أن الجمال يفسر الأشياء وتوازنها وانسجامها مع الطبيعة ويعتمد على تجارب الانجذاب والعاطفة والبهجة في عمق الوعي الحسي،  وينشأ من تجربة صامتة إيجابية." وفي هذا السياق يجيء إصدار كتاب (الجمال من الدلالات إلى النقد) للمؤلفين  أ.د. حبيب ظاهر حبيب - د. كاظم لفتة بهدف تبيان تبيان الآثار الجمالية للجمال الخطاب حيث تشير مقدمة الكتاب التي كتبها المؤلفان حبيب ظاهر حبيب  كاظم لفتة وتصدرت كتابهما المشترك "إن الشعور  بالشيء والأستلذاذ به لا يخضع للموضوع الجمالي حسب ، بل أنَّ ذائقة الأفراد لها جانب آخر غير ظاهر للعلن، وكامن  في اللاوعي بحسب فرويد ، منها المواقف والعقد النفسية، ومحددات المجتمع  والدين والسلطة كما بينها فوكو .

فالإدراك  هو المسؤول عن العمليات الحسية ، لكن الارتقاء بتلك العمليات يتم من خلال العقل، الموضوع الجمالي يمكن إنْ يكون موضوعاً حسناً، أو قبيحاً بحسب ثقافتنا بالأشياء والمواقف التي مررنا بها، فتكمن أهمية الموضوع الجمالي في غايته ومدى الإفادة التي يقدمها للإنسانية والمجتمعات ، وأن أفضل ظهور للجمال يكون من خلال الفن كما يرى أرسطو، كونه العالم الذي يجسد من خلاله الإنسان جوهر شعوره تجاه نفسه، والآخرين، والعالم .

الجميع يتحسس الجمال، لكن القليل من يفهم ذلك الشعور الذي يحدثهُ في ذاته، فالجمال مفهوم سائل مرة تجده في كلمة، وأخرى في جسد إنسان، ومرة تجده في وردة وأخرى في لوحة فنية ، ومرة تجده في الطبيعة وأخرى في الفن، ومرة في الصناعة وأخرى في عالم الرقميات ، فمرة يكون سلطة وقوة، ومرة يكون ضعف واستغلال." ويفضي ذلك – حسب المقدمة –  إلى أن "كل شيء دون الجمال يعد ظلاماً من دون نور، وعلى أساسه تتم عملية التفاعل مع الأشياء الأخرى ، فالجمال جزء أساسي من نشاط الإنسان سواء كان بوعي أم بغيره ، فلا يمكن إنْ نتفاعل ونحب أو نختار أو نقتني  شيئاً معيناً بدون ان ننجذب إليه من خلال ذلك الشعور الغامض الذي يحدثهُ الجمال، سواء كان فرحاً ممزوجاً بحزن، أم حزناً ممزوجاً براحة وهدوء. 

ولهذا السبب تجد تعدد النظريات الجمالية عبر العصور، وهذا الذي جعل كروتشه يقول : " يوجد في الجمال آراء بعدد رؤوس البشر " لذا اختلفت مساعي الفلاسفة وعلماء الجمال في فهم هذا الجمال بدءاً من السؤال الجمالي في الحضارات القديمة واليونان إلى ازدهار المعنى الجمالي في العصور الحديثة والمعاصرة من خلال الفنون ." 

ويرى المؤلفان حبيب ولفتة أن  "ما كان حسناً في عصر ما يمكن أنْ يكون قبيحاً في عصر آخر، أو ما كان جميلاً في بلد ما يمكن أنْ منفر ومسيء في بلد آخر،  وهذا ليس خللاً في الموضوع الجمالي، بل ذلك يعود إلى ذات الإنسان وتحولاتها ، وتأثرها بالعوامل الخارجية وظروف العصر ومتطلباته ، لذا تكون التربية الجمالية مهمة للمجتمع لغرض إيجاد سبل التفاهم بين الذات الفردية والموضوع الجمالي . فتربية المجتمع جمالياً تنتج مجتمعاً سليم الذوق ، ويقبل الآخر المختلف، ويسعى إلى إيجاد الانسجام والتألف في ظل التعددية ، واضافة اللمسات الجمالية على حياتهم العادية .

 أما التربية الفنية فإنها تنتج مجتمعاً  يقدر الفن ويبدع في إيجاد المعنى لحياة أكثر إنسانية ، فقيمة الجمال والفن قيمة أساسية في أي نشاط يقوم به الانسان، بدءاً من السؤال عن وجوده في هذا الكون إلى تعامله اليومي مع الموضوعات الخارجية. 

ففي السؤال يكون الجمال مجرداً، أما في الفن فيكون مجسداً، أذ أنَّ انتقال الجمال من  فكرة مجردة الى موضوع مجسد يكون من خلال الفن، لذلك يعد الفن النشاط الأساسي الذي يستغلهُ  الفنان كمبدع، أو الإنسان العادي كمتذوق ويوفر حاجاته اليومية ,أو رغباته الجمالية ."  

ولهذا أخذ  المؤلفان حبيب ولفتة في هذا الكتاب الذي جاء في ثمانية فصول، على هذا الأساس، بيان مفهوم الجمال من الجانب النظري والعملي, ففي الفصل الأول قدما نظرة عامة عن مفهوم الجمال وعلاقته المتداخلة في الفلسفة والفن والعلوم الأخرى وأهم السمات والخصائص لهذا المفهوم، أما في الفصل الثاني فقد قدماما عرضاً تأريخياً لبدايات النظرية الجمالية من الحضارات القديمة واليونان، وكان الفصل الثالث مركزاً على عرض النظرية الجمالية بطابعها الديني من خلال الفلاسفة المسلمين والمسيحيين في العصور الوسطى، في حين كان الفصل الرابع يبحث تحولات الخطاب الجمالي في العصر الحديث والمعاصر وارتباطها بالفن والجانب العملي . وعالج المؤلفان في الفصل الخامس تمظهرات الجمال بأنواعه الطبيعي والفني والصناعي وتداخل مجالاته، أما الفصل السادس فخصصاه لآراء الفلاسفة في التربية الجمالية، والفصل السابع بينّا فيه أهمية التربية الفنية للفرد والمجتمع , أما الفصل الثامن فكان عن النقد الفني وبيان أهم المناهج النقدية .

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن