10 Sep
10Sep


كتب : محمد السهر

الخامس من أيلول 2023

....

على الرغم من أن هنالكَ ما لا يقل عن 63 من أشهر الفنانيين والفنانات في مصر، هم من أصول غير مصرية، إلا أننا لم نسمع أو نقرأ من يحاول النيل منهم على طريقتنا المتطرفة في النقد والتنكيل. تشتمل هذه القائمة على أبرز نجوم الفن في مصر الذين لم يقتصر تأثيرهم على مصر لوحدها، بل تعداها إلى البلدان العربية كافة، بل وإلى كل من يتحدث بالعربية ويستمتع بفنونها، من هؤلاء النجوم: نجيب الريحاني، وعبد السلام النابلسي،وزينب صدقي،وحسين رياض،وأنور وجدي،وماري منيب،وليلى مراد،وفريد شوقي،ومديحة يسري،وليلى فوزي،وجميل راتب،ورشدي أباظة،وعادل أدهم،وهند رستم،وشادية،وعمر الشريف،ومريم فخر الدين، وشويكار،وسهير البابلي،ونادية لطفي،وليلى طاهر،ونجوى فؤاد،وحسين ومصطفى فهمي،وميمي جمال، وسعاد حسني ونجاة الصغيرة،ولبلبة،وشمس البارودي،وميرفت أمين،وصفية العمري،ونيللي،وعمرو دياب،وهالة صدقي،وليلى علوي،وغيرهم الكثير من أصول عربية أبرزهم فريد الأطرش،ووردة،وما لا يمكن استعراضهم جميعا في هذا المقال..

لكن وماذا بعد؟

وما الذي أريد قوله هنا؟

.....


في الحقيقة لستُ معنياً هنا في البحث عن أصول هؤلاء الفنانيين الذين عاشوا في مصر، وذابو عشقاً بأرضها وسماها، كما أنها منحتهم الجنسية،والانتماء دون منية،أو تذكير بأصولهم بين مدة وأخرى؛ إذ شمس مصر مصرتهم كما ذكر ذلك إبراهيم ابن محمد علي باشا قبلهم بأكثر من قرن ونصف..


لكننا نحن في العراق مشغولين هذه الأيام في نبش تاريخ وأصول،وانتماء،وطائفة،ودين آخر الراحلين في هذا العراق: الشاعر كريم العراقي الذي تفضل علينا البعض لتنبيهنا من أنه في الأصل( كريم عودة) وأن لقب العراقي قد تم لصقه به لاحقاً بسبب ما، مع العلم أن هناك أكثر من 50 مليون يعيشون اليوم فوق هذه الأرض- أنا من بينهم- يميزون Nationality الخاصة بهم بالعراقي حسب جواز سفرهم،أو البطاقة الوطنية لهم.


أما المطرب ياس خضر فقد ذهبَ البعض إلى التنابز بالألقاب هذه المرة، فقالوا( يابه تره هو قزويني)، في إشارة رمزية إلى أصول غير عراقية، وكأن العراقي إنسان خاص خلقه الله خصيصاً للعيش في هذه البقعة من الأرض، ناسين أو غير عارفين في الأساس أن جغرافية وطوبوغرافية العراق كانت تجذب إليها منذ آلاف السنين كل من تجدب بهم الأرض، ميَّممين وجوههم شطر هذا الوادي الدافئ الخصيب ذو المياه العذبة، والخيرات الوفيرة،قادمين إليه شرقا من خلف سلسلة تلال حمرين،أو شمالاً من ما وراء سلسلة جبال زاكروس،أو غرباً من بادية الشام، أو جنوباً من شبه جزيرة العرب الذين أطلقوا على هذه البقعة أرض السواد حيث الأسودين لدى العرب التمر والماء،وحيث يتراءى لهم من بعيد أسوداً بفعل تشابك غابات النخيل والحمضيات الممتدة بين سامراء والبصرة، ولا غرابة في ذلك ما دام تاريخ البشرية لدى كارل ماركس هو في الحقيقة تاريخ البحث عن الطعام.

.....

لستُ هنا في معرض جلد الذات، أو الإساءة للشخصية العراقية معاذ الله، وأنما للبحث عن تفسيرات علمية لظواهر التطرف لدينا في الحب والبغض، وفي السخاء والشح،وفي الخوف والطمأنينة، وفي المنح والمنع،وربما هو تطرف يتلاءم مع طبيعة المناخ لدينا..


لقد تناول ثلاثة من علماء الاجتماع العراقيين موضوعة الشخصية العراقية؛ الوردي والطاهر ومتعب السامرائي، وسوف أتناول هنا فرضية الثالث لعدة أسباب من بينها أنها ظهرت عام 2005، كما أن الرجل فكر بشكل مغاير عن الطريقة التي فكر بها السابقين له.


يذهب السامرائي إلى أن الشخصية العراقية تعاني من ثنائية (الاستنفار- الاستفزاز)؛ إذ هي حسب رأيه مُستنفرة على الدوام وعلى أهبة الاستعداد لملاقاة (الغريب- الغريم) غير المرئي وغير المعروف الذي يريد بها  السوء، ثم يؤكد على أن هذا الاستنفار يجعل من السهولة بمكان استفزازهم وجرهم إلى حلبة منازلة هو من يختارها وليسوا هم..


المشكلة لا تتوقف عند هذا الحد حسب رأي صاحب الفرضية، بل أنها تتعقد وتصبح أزمة مجتمعية عندما يتحول هذا( الغريب الغريم) من العدو الخارجي إلى العدو الداخلي( عرقياً- إثنياً- دينياً- طائفياً- مناطقياً- حزبياً- قبلياً، بل وحتى عائلياً)، ليصبح الاستنفار داخلياً، حيث هذا المختلف عني بأمر ما هو بالضرورة عدو لي حتى يثبت العكس.

.....

لكنني أعتقد وبالإضافة إلى فرضيات الازدواجية لدى الوردي،والقوقعة والقلق لدى عبد الجليل الطاهر، والاستنفار- الاستفزاز لدى متعب مناف، أعتقد أن هناك ما تم إغفاله،أو على الأقل عدم الإشارة إليه بشكل صريح؛ ذلك هو( الثقافة التقليدية) التي لا زالت تُلقي بظلالها حتى على أكثر الداعين للحداثة والتحرر من بيننا، تلك الثقافة التي أسهمت طوال المائة عام الماضية في الفشل ببناء دولة مواطنة، وفي بناء مجتمع قادر على مغادرة الماضي، وعلى المصالحة مع ذاته أولاً، ثم مع التاريخ من بعد ذلك، وهكذا ذهبت تلك المائة أدراج الرياح، تسربت من بين أيدينا مثلما تقول الأغنية العراقية( مثل اليلم الماي يرد كفه خالي)..

....

وأخيراً، وعلى الرغم من أن آخر الكلمات التي وردت على خاطري وأنا أحاول أن أجد خاتمة للمقال هي كلمات إحدى أغاني ياس خضر( عمري بردية شتا وبكاع هيمة، عمري سباحة جرف عاشت يتيمة) وهي كلمات في منتهى الاغتراب،والعدمية والتشاؤم، إلا أنني مع كل ذلك متفائل جداً بيوم قريب نعيش فيه بحب وسلام.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن