كتب : د. حسّان الحديثي
"لقد أبكاني المشهد"
هذا ما قاله صموئيل بيبس (1633-1703)، وهو أشهر مدون يوميات في انجلترا وصاحب "سنة الحريق الكبير" الذي أثبت ان يومياته ليست مجرد سرد لمجريات وتدوين أحداث في دفاتر وسجلات، بل هي أعمال ادبية مهمة أسست لمدرسة أدبية تم اعتمادها لاحقاً في الوقوف على كوارث عظيمة، منها حريق لندن العظيم عام 1666.
يقول صموئيل في يومياته عن حريق لندن العظيم:
بعد صيفين ممطرين، تعرضت لندن لموجة حر غير مسبوقة ادت الى جفاف الاخشاب التي كانت تصنع منها البيوت "بالمناسبة ما تزال لندن وجميع المدن الانجليزية تعتمد الخشب في البناء" على إثر ذلك ونتيجة للصيف الطويل الحار الذي شهده عام 1666 كانت لندن على موعد مع الكارثة الكبرى حين شبت النيران في مخبز توماس ڤارينو في شارع بادينج لين Pudding Lane ليل الاحد الثاني من سبتمبر/ايلول، ولم يستطع الاهالي ولا رجال الاطفاء السيطرة على الحريق الذي بدأ يمتد للمباني المتاخمة للمخبز لينتشر ويأتي على اكثر من 70% من المدينة خلال ثلاثة أيام فقط.
وقد مرت لندن بمرحلة عصيبة بعد الحريق لكثرة اللاجئين والمشردين الفاقدين لاعمالهم ومنازلهم والذين قاموا بتظاهرات كادت تودي بالملك تشارلز الثاني ملك انجلترا آن ذاك، فكانت ليوميات صموئيل قيمة أدبية وتاريخية كوثيقة لحال لندن واللندنيين في تلك الفترة.
أقامت بلدية لندن نصباً تذكارياً عظيما عام 1671 يؤرخ الحريق في مكان انطلاقه في شارع بادنج لين Pudding Lane والذي كنت فيه امس.
ولكن ما يجب ان يقال: إنه لم يبق اليوم من كارثة الحريق سوى هذا النصب والذكرى وما كتبه صموئيل، فالكوارث وآثارها تزول اذا اراد الناس زوالها، وتبقى اذا ارادوا بقاءها.