كتب – عبد العليم البناء
كما هو ديدنهم في مختلف المهرجانات والملتقيات والمؤتمرات والورش المحلية والعربية والدولية وتبوأ مواقع ومراكز الصدارة فيها يسجل مبدعو المسرح العراقي حضورهم الفاعل في الدورة الرابعة والعشرين من مهرجان أيام قرطاج المسرحية الذي ينطلق في الثاني من (كانون الأول) ديسمبر المقبل، وتستمر حتى العاشر من الشهر ذاته تحت شعار (بالمسرح نحيا.. بالفن نقاوم)، وبمشاركة نحو 60 عرضاً من 28 دولة، والذي يشمل 11 عرضاً ضمن المسابقة الرسمية، و24 عرضاً في قسم العروض الموازية، و18 عرضاً ضمن قسم مسرح العالم، وأربعة عروض ضمن قسم تعبيرات مسرحية في المهجر، حيث يعد هذا المهرجان من أعرق المهرجانات المسرحية عربياً وإفريقيا، وهو الذي تأسّس في العام 1983 على يديْ الراحل المنصف السويسي، وكان ينظم كل سنتين بالتناوب مع أيام قرطاج السينمائية قبل أن يصبح موعداً سنوياً.
وفي مقدمة المشاركين في هذه الدورة نقيب الفنانين العراقيين الدكتور جبار جودي إضافة الى عراب مسرح الصورة المخرج المسرحي الكبير الدكتور صلاح القصب وبمعيته الدكتور رياض موسى الأمين العام لجائزة صلاح القصب للابداع المسرحي العربي التي تعلن في أيام قرطاج الدولية في دورتها الخامسة، وتشهد هذا العام انفتاحاً جديداً على أسماء وشخصيات عربية بعد أن كانت تمنح لشخصيات عراقية وتونسية حيث قدمت الهيئة المديرة لأيام قرطاج كل الممكنات اللازمة لدعم وترسيخ جائزة صلاح القصب كواحدة من العلامات التي ارتبطت بأيام قرطاج بوصفها جائزة تحمل اسم رائد مسرحي عربي قاد حراكاً مسرحياً مغايراً ومؤثراً في أرجاء الخارطة المسرحية العربية، وإعلان الشخصية المسرحية التي ستمنح هذه الجائزة كما في الدورات السابقة التي إعتاد المهرجان على احتضانها خلال دورات إنعقاده الدورية.
وتشارك الفرقة الوطنية للتمثيل في دائرة السينما والمسرح بمسرحية (أمل) تأليف وإخراج الفنان الكبير جواد الأسدي ويتقاسم بطولتها الفنانان حيدر جمعة ورضاب أحمد وسينوغرافيا د. علي محمود السوداني، وهي صرخة أمل وبوح في وجه واقع مرّ، من خلال سرد قصة امرأة عانت الكثير في مجتمع كان يسوده التطرّف والفوضى، وترفض الإنجاب في ظل تلك الظروف، وتسعى بطرق شتى إلى التخلّص من الجنين، حيث يشي العرض بكثير من هموم الأسر العربية المشتركة في بلدان عاشت الحرب، أكثر مما هنأت بالسلم والأمان، في ظل ظروف الحياة المظلمة والمعقّدة والقهر الذي تعيشه هذه الأسر، ويختزل اسم المسرحية (أمل) صراع الحب والأمل في زمن الحرب، وحكاية امرأة تأمل كبقية النساء بوطن آمن، تُنجب فيه الأمهات دون خوف، ولا يموت فيه الناس والأطفال بلا جريرة أو سبب.
وتنافس هذه المسرحية التي سبق أن حصدت العديد من الجوائز في أكثر من مهرجان محلي وعربي ودولي ضمن المسابقة الرسمية على جوائز (التانيت الذهبي)، و(التانيت الفضي)، و(التانيت البرونزي)، وأفضل ممثل، وأفضل ممثلة، وأفضل نص، وأفضل سينوغرافيا، الى جانب العرضين التونسيين (الفيرمة)، و(الهروب من التوبة)، و(تراب الجنون) من الجزائر، و(صمت) من الكويت، و(أنتجوني) من الأردن، و(شمس) من المغرب، و(أغنية الرجل الطيب)، و(حكم نهائي) من مصر، و(ترحال – أرواح مهاجرة) من سوريا، و(مسكن – لوحة تاريخية إيفوارية) من الكوت ديفوار.
وفي العروض الموازية للمهرجان تعرض الفرقة الوطنية للتمثيل التابعة لدائرة السينما والمسرح مسرحيتها (طلقة الرحمة) سيناريو وإخراج الفنان محمد مؤيد، وهي بمثابة "كوريوغرافيا عالمية واعية استطاع بها المخرج المؤلف ان يرسم الذات العراقية ويرقصها بأجساد مختلفة تجلت بها الأرواح لتحتج وبقوة على عبثية الموت و روتين الحياة، مرتكزاً على الجسد والضوء بفضاء مفتوح ليخلق سيمياء صورية فكرية تحمل بين طياتها أوجاع الإنسان، اعتمدت ثنائية الاحتجاج بين فكرة الموت وروتين فكرة الحياة حيث جسدها العرض بصور مختلفة جميلة واعية مبهرة."
كما يشارك الناقد الأكاديمي الدكتور رياض موسى في الندوة الدولية لأيام قرطاج للدورة ٢٤ التي تقام تحت عنوان (المسرح وجمهوره اليوم) وتتضمن عدداً من المحاور، ببحث في المحور الأول من هذه الندوة والموسوم: (المصباح السحري والمزاج الروحي لاكتمال الفعل المسرحي)، ويتناول فيه "حركية ايقاع العصر والتطور التكنولوجي المصاحب ونظم الاتصال التي نعيش على وقعها اليوم في عالم متسارع ومضطرب، كلها أدت بالنتيجة إلى إطفاء وهج مصباح المسرح السحري وعطلت منظومة التواصل الروحي مع الجمهور، فبعد أن كان جمهور المسرح متفاعلاً مع مجمل الحركات الفنية والتيارات الطليعية والتي كانت تشكل أهم موجهات الحياة، فإن المسرح اليوم لم يعد حاجة أساسية يعول عليها في بناء منظومة قيمية وذوقية للمجتمع والفرد"، ويقدم في نهاية البحث مجموعة من المقترحات والتوصيات التي تعيد الجمهور الى المسرح.. في حين يشارك المخرج المسرحي الدكتور حيدر منعثر في الندوة ذاتها، وضمن محور (تساؤلات في فعل تجربة عروضنا المسرحية جماهيرياً) ببحث يتناول فيه نقاط وعناصرعدة "جمهور مسرح أم جمهور مسرحي؟ والمهرجانات ودورها ودورها في تبني فكرة جماهيرية المسرح، ومشروع (المسرح الشائع) طريق لعودة الجمهور للمسرح عبر مقاربة معتمدة.
ولماذا فقدت عروضنا المسرحية العربية تفاعلهامع الجمهور بمعناهالواسع؟وهل عروضنا أخذت من الجمهور وأعطت له ؟ إن كان هذا الجمهور هو منبع ما ينتج فوق خشبات مسارحنا؟ ولماذا فقدنا العلاقة الجدلية بين فاعلية الجمهور وفاعلية العناصر لمنظومات العرض المسرحيى والانتاج لدينا؟ ويدير الفنان والمخرج العراقي طلعت السماوي المقيم في السويد إحدى الورشات المهمة في المهرجان، وهي ورشة (تقنيات الرقص والأداء الحركي) التي سيشارك فيها عديد الفنانين الهواة والمحترفين) لتتمخض عن عرض كوريوغرافي ينبع من الرقص الدرامي المعاصر الذي يعد السماوي من أبرز وأكفاء المتخصصين فيه.
الجدير بالذكر أن المدير الفني لأيام قرطاج المسرحية، معز المرابط قد أكد أن "هذه الدورة ستكون استثنائية من جهة الحضور والبرمجة التي تم الإعلان عنها في مؤتمر صحفي عقد السبت الماضي بمدينة الثقافة في تونس العاصمة.
واعتبر المرابط أن "الهدف الأول في هذه الدورة هو توسيع قاعدة جماهير الفن الرابع ودعم إشعاعه العالمي". وتستغني الأيام خلال افتتاح فعالياتها واختتامها عن المظاهر الاحتفالية مع الإبقاء على العروض والندوات والورشات التكوينية، تضامناً مع ما مر به شعبنا العربي الفلسطيني وبالذات في قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، حيث تؤسس هذه الدورة سوقا مسرحية تأمل في أن تفتح فضاءات جديدة لدعم وتعزيز الإنتاج المسرحي في زمن (مقاومة المسرحيين) و(المقاومة بالمسرح).