31 Jul
31Jul

د. ياسر البراك

 اليوم العاشر من شهر محرم الموافق السبت 29 / 7 /2023 حضرت طقس التعزية (التشابيه) الذي يُقيمه سنوياً موكب شهيد الجمعة الحسيني في قضاء سوق الشيوخ - محافظة الناصرية. 

لأكثر من أربع ساعات وأنا أقف على قدميَّ مع آلاف مؤلفة من الجمهور المحتشد نساءً ورجالاً، وتتبعت أحداث واقعة الطف خطوة بخطوة عبر الراوي، والأصوات الأدائية، فضلاً عن الشبيه لشخصيات معركة الطف جميعاً. 

شخصياً أعرف القصة بكل تفاصيلها من كتب التأريخ، لكن ما رأيته اليوم من تعبير فني وجمالي عن محبَّة الحسين من قبل ثلًة من الناس البسطاء الذين يعشقون الحسين، جعلت دموعي تنهمر من دون إرادة مني في أكثر من مفصل من مفاصل أحداث الواقعة .. 

بكيت على الروح الفدائية لأصحاب الحسين، وبكيت على أخوّة العباس وإيثاره وتضحيته من أجل الذود عن دين الله ممثلاً بخليفته الشرعي ووصوله للمشرعة على نهر الفرات وجلبه للماء لمخيم الحسين، وبكيت على شجاعة الحسين وهو يقاتل وحيداً ببسالة الفارس جموع الآلاف من جيش بني أمية، وبكيت فرسه التي همّت بشرب الماء قبله وهي تحمحم : الظليمة .. الظليمة، وبكيت قُبْلَة زينب لصدر الحسين وشمّها لنحر أخيها وهي تخاطب أمها الزهراء على البعد أنها قد أوصلت وصيتها التي أوصتها بها حين تجد الحسين وحيداً ذات يوم، وبكيت حرق خيام آل بيت النبوّة وسبي النساء والأطفال .. 

وبحسّي المسرحي راقبت الأداءات المتعددة في هذا الطقس الديني المَهيب ، صياغة النص، وطريقة الإلقاء، وخصوصية الطبقات الصوتية لكلا الفريقين، تأسيس بيئة الواقعة من خيم ونهر ونخيل، تنظيم المجاميع، وقيادة الخيول، وصناعة الأزياء، ودلالات الألوان فيها، والإكسسوارات، وإختيار المؤثرات الصوتية، وووو..

 والأهم من كل ذلك هذا الحضور الكبير والتفاعل مع تفاصيل الواقعة وكأنها تجري الآن، فضلاً عن الدعم اللوجستي الكبير في هذا الصيف اللاهب، من ماء، ولبن، وعصائر، وطعام مكوّن من الرز واللحم، وأكلات تراثية معروفة في العراق مثل : القيمة، والهريسة التي يقدمها أصحاب المواكب للمُعزّين في الواقعة التي نسينا في ظل أحداثها التراجيدية الكبيرة قسوة الشمس، ووقوفنا في العراء لساعات طويلة. 

عندما إنتهت الواقعة بالمشهد المهيب لحرق مخيم الحسين أدركت أن كل ما فعلناه في المسرح منذ أن تمثلناه قضية مبدأية في حياتنا لا يرتقي لما يُقدّمه سنوياً أولئك الناس البسطاء من تعبير جمالي عن محبتهم للحسين عبر هذا الطقس الديني الذي تتوحد فيه المشاعر والأجساد على حدٍّ سواء ..

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن