(1) مشكلة الحوار
مع كل رمضان نتابع الدراما التلفزيونية العراقية ونحن نتطلع إلى أن تكون في مصاف الدراما التلفزيونية العربية لسببين أولهما : أن الدراما العراقية - من الناحية الزمنية - ليست وليدة سنوات قريبة مثل الدراما الخليجية، وثانيهما: أن الدراما العراقية تمتلك مقومات التطور والنهوض فيما لو تم التخطيط لذلك بشكل جيد خاصة على مستوى الموارد البشرية، لكن ذلك لا يعني غض النظر عن بعض المشكلات التي تعانيها تلك الدراما، وهي مشكلات نابعة من الإهمال، واللامبالاة، والسرعة في الإنتاج على حساب الجودة. ومع الحلقات الأولى لمعظم الإنتاج الدرامي لهذه السنة 2023 تبرز مشكلة الحوار في تلك المسلسلات بوصفه قناة التوصيل لقصة وسيناريو المسلسل وشخصياته وأحداثه، وهي واحدة من المشكلات المزمنة في الدراما العراقية، إذ نجد أنه - الحوار - لا يُراعي الطبيعة الجغرافية التي تدور فيها قصة المسلسل، أو الثقافة البيئية للأحداث، أو بناء الشخصيات وإنحداراتها الثقافية والإجتماعية، خاصة فيما يتعلق بـ (اللهجات المحلية) بوصفها تعبيراً لسانياً عن تلك الجغرافيا والتكوين الإجتماعي، فعلى سبيل المثال نجد في الحلقة الأولى من مسلسل (الكاسر) الذي تبثه قناة Utv الفضائية إحتشاداً فوضوياً لعدد من اللهجات التي تجعل أحداث المسلسل في حالة من الإغتراب المكاني والثقافي، فالشيخ أبو عكَاب يتحدث بلهجة أهل بغداد وهو - كما يتضح من زيه - من شيوخ الجنوب فيردد كلمة ( لَعَدْ ) في كلامه، وإبنة أخيه (ثريا) تردد مفردة (آني) بلهجة بغدادية واضحة، وشخصية أخرى تقول لمثيلتها (أجوّبلك للصبح) ومعروف أن الجوبي هو نتاج ثقافة أبناء المنطقة الغربية، ولا يخلو الحوار من مفردات أهل الجنوب (الحسجة)، بينما في كثير منه هو حوار أقرب إلى اللغة العربية الفصيحة التي يتم نطقها بلكنة شعبية، وهكذا نجد ثمة (هجنة) لسانية في نسق الحوار الأمر الذي يؤثر بشكل واضح على عنصر الإقناع في المسلسل وشخصياته وبيئته ومصداقية القصة والأحداث المكونة للسيناريو العام له ..
(2 ) الكوميديا الهادفة ..
للموسم الثالث على التوالي يقدم السيناريست والممثل (أحمد وحيد) عمله الدرامي (قَط أحمر) وهو عمل كوميدي يمارس فيه نقداً إجتماعياً وسياسياً هادفاً بقصد تقديم أنموذج درامي بعيد عن التهريج والإبتذال الذي تحفل به الكثير من الدراما التلفزيونية التي تعتمد خطاب (التحشيش) أو (الكوميديا اللفظية) التي يصبح فيها المنطوق اللساني وإزاحاته اللغوية العنصر الكوميدي الرئيس في مثل هذا النوع من الكوميديا التي تحرص الكثير من القنوات التلفزيونية على تقديمه ضمن دراما رمضان، وهو نوع لا يحترم ذوق الجمهور وعقله، بل أنه يتجاوز - أحياناً - إلى هتك حرمة الشهر الفضيل بالألفاظ النابية والحركات والإيماءات التي لا تتناسب مع الذوق العام للعائلة العراقية..
في بداية الموسم الثالث لهذا العام 2023 وبعد مشاهدة حلقتين منه يتبيّن لنا أن أحمد وحيد يكرّس مفهوم ألـ(Spot Drama) في كتابته الدرامية حيث يعتمد في كل حلقة على أربعة سبوتات درامية كل سبوت منها يتناول قضية إجتماعية أو سياسية متخذاً من وحدة المكان المكررة في بعض السبوتات مساحة للفعل الدرامي، لكن هذه الوحدة - على الرغم من تكرارها - تمتليء بالمواقف الكوميدية المتنوعة التي تلعب فيها قدرة وحيد التمثيلية دوراً مهماً سواءاً في تنويعاته الشكلية لأداء الشخصيات (الكاركتر) أو على مستوى الأداء الكوميدي الذي يدور في فلك الشخصيات المرافقة له في أغلب السبوتات خالقاً منها إنسجاماً أدائياً ملتزماً وبعيداً عن الإبتذال، لقد قلت سابقاً أن أحمد وحيد يقدم كوميديا تحترم عقل المُشاهد منذ أن قدَّم (بنج عام) في سنوات ماضية، ومازلت عند رأيي نفسه بعد مشاهدتي لأول حلقتين في الموسم الثالث لـ( قَط أحمر ) ..
وللحديث بقية..