كريم شنيار الفجر /العراق
مسرحية صفصاف : تاليف ودراماتوج علي عبد النبي الزيدي
مكان العرض بغداد دائره السينما المسرح مسرح الرشيد
١- المقدمه :-
مسرحيه صفصاف عمل مسرحي باذخ في الجمال، رغم الالم والضياع والآمال المفقوده التي تبحث عنها شخصيات العرض المسرحي , مسرحيه صفصاف ضياع وإغتراب، وسط زحام الحكايات. صفصاف كانت عرضا قاسيآ على الذات الانسانيه، بحيث الانسان يعرض همومه على نفسه إولا لكي يألف الهم، ومن ثم يطرحه بصيغه الفوضى الخلاقه ،حيث
الناس تضيق بهم السبل في كل شيء المكان ،الزمان، الحكايات ،الازقه الأرصفه ،السعاده ، وكل هذا يؤدي إلى الفوضى في العيش ،
الفوضى في التحرك ، الفوضى في تشابك الأزمنه ، ويبقى المكان اللامكان وسط زحام الاحداث من حروب ومجاعه، ونفايات ، و الأرصفه تضيق بالناس كلما كانوا سعداء.
٢-مسرحية صفصاف وحالات الضياع .
كثيرآ ما نشعر نحن البشر بالضياع وعدم الاستقرار ،وهذا هو زمان اللا يقين بكل شيء، الزمن، الأحلام، الأماني، الخلاص وقد يورث الضياع الحيره والعجز تجاه الواقع فكيف ننجو من هذه الفوضى . والحياة مزيد من البناء والهدم ، الفوضى والأستقرار وهذه الطروحات كلها تصيب الإنسان وتزرع فيه المخاوف نتيجه التساؤلات حين يبقى هذه الشعور بالضياع وعدم الأستقرار يشكل حضورآ كبيرآ في حياتنا .وشعورنا بالغربه والأنفصال عن النفس وعن الآخرين يولد العزله وأنعدام المعنى في إنسانيتنا وقد ندخل في مرض نفسي أو جسدي مثل القلق والوسواس القهري أو الأنفصام.
ويبقى الأمل المعلق هو المفتاح لتحسين الحياه اليوميه، الأمل هو إحدى العواطف الأيجابيه التي تعتبر من الفضائل الأنسانيه.
وهنا يظهر مؤشر مهم لمؤلف العمل والدراماتوج الأستاذ علي عبد النبي بانه يريد ان يدخلك في عوالمه وعوالم أحداثه ويجعلك عنصرآ مهمآ وفعالآ ومؤثرآ في الحدث المسرحي ،
علي عبد النبي يدخلك في الأيهام، ليس إيهامآ للمتلقي، بل هوإيهامآ للشخصيه على الخشبه ،بحيث تؤدي دورها بصدق وحميميه وتعكس إيهامها الى المتلقي بكل تفاصيله، بحيث المتلقي يتعاطف مع الشخصيات ويعتبر نفسه جزء من الحدث وهي فعلا لأنها تمثل قضاياها الخاصه والعامه.
٣- تدوير الخطاب :-
تدويل الخطاب المكرر تعاني منه الكثير من الاعمال المسرحيه التي شاهدناها سابقا سواء كانت قريبه أو بعيده سواء كان هذا التدوير للمفرده أوالجمله أولمعلومه ،أو حكمه ما، أو أصوات مختلفه أو رسائل أوالأضواء، مثل مفرده ( أربعون عاما ) وكل مفرده لها وقع خاص، وتعامل معها الممثل بتوجيه من الدراماتوج بحيث عندما تطرح لها وقع معين وأثر واضح وهناك تساءل لكل ما طرح من مفردات أو جمل على شكل خطاب او معلومه معينه ماذا يعني او ما يريد المؤلف أن يقول .
أولآ :- ( أربعون عامآ )
هل هي سنين العمر بعد رحيل الشباب .
ثانيآ :- ( صوت القطار )
هل هو زمن متحرك، هل هو رحيل ، هل هو دخول شخصيات جدد.
ثالثآ :- ( كاسات الماء ) تعني
طرد الشر، العوده الامنه , أمل مؤجل.
رابعآ :- ( الغبار )
(الذي يتطاير من ملابس اثناء احتكاك الشخصيات مع بعضها )
هل هو تعب مستدام، جعبه للألم المتوطن، جماليه .
خامسآ :- (الرسائل )
هل تعني الانتظار، تعني الحب، أمل في عوده .
سادسآ :- ( الأمكنه )
الأعتزاز في المكان ( انت تقف في مكاني).
سابعآ :- ( البيت الأبيض )
إشاره الى الكعبه، المشفى ،التجنيد ،بيت الحبيبه .
ثامنآ :- ( الأرصفه )
الطويله والقصيره والمقطعه.
تاسعآ :- ( الترفك لايت )
وهو اكثر الشواخص الموزعه بشكل هندسي على خشبه المسرح وقد يكون التوزيع عشوائيا لكن هندسته واضحه للمتلقي .
عاشرآ :- ( اللون الاخضر )
يمثل العبور واللاعبور ، يمثل السد المانع،
الحادي عشر :- (الضفه الاخرى ) تمثل الخلاص .
الازياء :-
أولآ :-
الرثه :- تمثل الفقر والأستلاب والأغتراب والضياع .
ثانيآ :- القديمه .
تمثل زمن مضاف ،تاريخ مزيف ، منظومة حياة .
ثالثآ :- الفضفاضه .
تمثل سعة الفقر ، انعدام النعمه ،عبثيه .
٤ - علي عبد النبي الزيدي
والأستفاده من اللحظه الدراميه .
في العرض المسرحي صفصاف هناك لحظات انسانيه مشتته إستطاع الدراماتوج علي عبد النبي ان يلملم هذا الشتات الموضوعي ويفرزه على شكل مضامين مرمزه ودلالات مركزيه تشكل نواة لهذه الكتله المبعثره وهي من المواضيع البشر ، حيث لعب الدراماتوج دورا مهما في لملمة هذا الشتات وصبه في موضوعه واحده هو الهم الأنساني لاعطائه هويه خاصه وكما أراد ان يشد به إيقاع الموضوع مما يوفر الأحساس بالحميميه ، حيث يؤدي هذا الشتات الى الذروه الدراميه وهي تعتبر من المثابات الضروريه للعرض المسرحي من حيث الشخوص وقضاياهم وما تضمر كل شخصيه من هموم وأنفعالات وحالات شعوريه تكاد تنطبق على جميع شخصيات العرض المسرحي صفصاف .
حيث استطاع الدراماتوج علي عبد النبي إقتناص لحظات الألم ، وإهمال الانسان من قبل الدوله ومؤسساتها، وتحويل الموضوع الى متعه معرفيه تسعد الممثل والمتلقي .
إهتم الدراماتوج علي عبد النبي إهتماما كبيرا بالفعل الداخلي الذي يؤدي بالتالي الى فعل سلوكي القصد منه الأندماج والتقمص،وهذا لا يعني ان الدراما توج علي عبد النبي (يعتمد البناء الدرامي التقليدي ) والذي يتكون من بدايه ووسط ونهايه لابل هناك تكنيك سايكلوجي ،اي ان مجموعه افعال الشخصيات المتصارعه والمتصالحه في بعض الاحيان تشكل الفعل العام للمسرحيه وهذا لا ياتي من فراغ ،بل هناك احساس كبير من قبل الممثلين لايقاع العرض المسرحي من- التمتع والكيفيه- في الاداء حيث نرى هناك توازن بين الحركه الممثل والحدث. وهذا ياتي من تحديد العلاقه بين الممثل والاخر. حيث ان علي عبد النبي لم يقحم نفسه في التكوينات, لغرض جمال محدد، بل سعى الى تكوينات تفسر وتساعد على فهم الحدث. حيث سعى الدراماتوج علي عبد النبي الى عدم الترهل في العمل المسرحي سواء كان هذا الترهل زمني أو حواري أو حركي . بحيث أتسمت معالجاته على توضيح الفكره من خلال قدرات الممثلين والتفسير والأيحاء من خلال الرمز، والإشاره .
٥ - علي عبد النبي الزيدي
والتركيز المتوقد على خشبه المسرح
ما لمسناه في العرض المسرحي صفصاف هناك وعي متقد من قبل الممثلين حيث يحافظون على الوعي لحظه بلحظه وهناك تركيز وإنتباه لمتابعه ما يقال وما يجري حوله من الاحداث، وهنا ياتي التركيز من المران والممارسه المستمره نتيجه التدريبات على خشبه المسرح حيث دئب الاستاذ علي عبد النبي على تدريب الممثل على قدراته الذهنيه رغم ان الممثل إمتلكها إما عن طريق السليقه أو الفطره أو نتيجه المران والممارسه اليوميه.
في مسرحيه الصفصاف نرى الممثلين مراعين المسافات فيما بينهم سواء كانت قريبه أو متوسطه أوبعيده، والممثل وهو يخطو يراعي كيف ينظر الاشياء الموجوده على خشبه المسرح حيث هناك رؤيه متفحصه من قبل الممثل للاحداث عن طريق الاصغاء والاستماع، اي ان تصغي، معناه أن تسمع وتفكر ،وان تسمع، معناه تسمع وتتخيل، حيث كان العرض مسرحيه الصفصاف فيه مجموعه كبيره من التراكيز اللغويه وان صاحبتها بعض المفردات الشعبيه من اجل تدعيم الحدث فنرى الصراخ الشعوري ، والتفاعل مع الادوات ، ورد الفعل السريع ، والأحساس بالموسيقى أيضا. وهناك قدره كبيره على المبالغه في الحدث من قبل الممثلين في بعض الأحيان .
٦-شخصيات علي عبد النبي الزيدي
في مسرحية صفصاف.
الشخصيه هي ظاهره إنسانيه معقده الى حد معين، وهي تعتبر نموذجا نسبيآ للسلوك والاتجاهات والمعتقدات والقيم .
شخصيات علي عبد النبي الزيدي في مسرحية صفصاف، لا تؤمن بالحاضر، نتيجه ماضيها المتردي ، ولا تؤمن بالمستقبل ، لانه نتيجه حتميه وغير مستدامه بمجهوليه الأستمرار، فهم عاجزون عن التعبير الصريح وليس لديهم صداقات حميمه. محبين لشهواتهم وأطماعهم وقد يكونون سميحين الوجه من الخارج ولكن المشاعر الداخليه هرمه ،يعتقدون بانهم مضطهدين لا يتوقعون الا الأسوء من الآخرين في أي وقت بسبب ضعفهم، والتقلب في المزاج هو من سماتهم أحيانا،معجبين بأنفسهم ،وأحيانا متكبرين بعض الشيء وهنا ياتي التكبر من فراغ، مما يسبب لهم ألم داخلي قد يدفعهم للأكتئاب النفسي فنرى الشخصيات دائما تشكو من الوحده وعدم الأهتمام من الاخرين، يشعرون دائمآ ان سرقه المشاعر من قبل الآخرين هي مستدامه في حياتهم لذا نراهم يهربون من مواجهه الاخرين لاسباب كثيره مثل عدم تحمل المسؤوليه وعدم اتخاذ القرارات وان اتخذت فهي خيبه دائمآ لذا ينظرون الى أنفسهم بانهم اناس فاشلون لانهم يكرهون النجاح وهذا سبب إنهزاميتهم المتكرره بسبب عدوانيتهم لبعضهم ، فهم يتلذذون باهانه بعضهم البعض مما يسبب لهم هذا العمل بتأنيب الضمير، ولكن قله الحيله وفقدان الاحساس وغياب القلب الرحيم، يؤدي الى خلخله المشاعر واحيانا انعدامها تماما مما يسبب ضعف التعاطي بالخير والفرح والايجابيه، فهم شخصيات كثيره الجدل دون الوصول الى نتيجه حتميه يعانون من فقدان الثقه بالنفس وبالآخرين، فنرى شخصيات علي عبد النبي في مسرحيه صفصاف تبالغ أحيانا في نفسها أو في سوء ظنها بالآخرين فنراها تاره متكبره وتحب القياده والسيطره على الآخرين وأحيانا نرى البعض منها تمتلك الثقه المزيفه في إستعباد الآ٦خرين وجعلهم خاضعين بالأكراه ،شخصيات علي عبد النبي لا تحب الأنتقاد من قبل الاخرين بسبب صراحتهم المفرطه بل هي تسعى أن تكون صاحبه الأمر، لكن الخيبه والضياع،
نتيجه الحروب والأهمال ، جعلها غليظة القلب، مفتقده الحنان والرحمه مما جعل تعاملها عدواني مع الاخرين، فهي تعاتب بشده وتنهزم بشده، بسبب رأيها الضعيف واستسلامها الى الظروف وتحكمات الاخرين ،مما يؤدي الى تكتم في المشاعر الداخليه .
٧ - الخاتمه : -
ان الفن المسرحي هو نظام جمالي قائم على التناسب والمحاكاة ، والأستاذ علي عبد النبي هو الأنسان الشغوف والمهووس بالمسرح ، لما يحمل من رؤيه فلسفيه في الكتابه ، وتنعكس رؤياه على العمليه الأخراجيه لما لديه من تنظيم تقني وصناعه أدبيه محكمه في الخطاب المسرحي، ولديه مفاتيح سحريه تعطيه القوه والقدره في التحكم في خيوط العمل المسرحي أو ما يسمى باللعبه المسرحيه، والأستاذعلي عبد النبي الزيدي، مرن وغير متعصب، وله درايه ومعرفه مسبقه في كتابه النص المسرحي ولا تقتصر وظيفته على الكتابه، وانما لديه مقاييس إخراجيه، ولديه المعرفه العمليه ( لفضاء الخشبه) ، وعمليه الانتقاله من الكتابه النص ، الى الكتابه الاخراجيه لانه ايضا لديه أداء للتوليد والتجسيد والخلق والأبداع. فالكتابه الأخراجيه لدى الأستاذ علي عبد النبي تجسد الإفكار المبتكره بواسطه وسائل تقنيه غايتها إبراز الرؤيه جماليه المجسده بوسائل العرض المسرحي .
وأن للمسرح ،حضور وجداني روحي متجانس، مع روح الخشبه وروح المتلقي .
واخيرآ أقول بصدق ،إن مسرحية صفصاف , عرض مبهر بسحره , وجمال تقنياته .
شكرآ لك استاذنا الفاضل علي عبد النبي الزيدي ، لقد تعلمنا منك الكثير، ياسيد المسرح .