د.سالم شدهان
غبن حينما قرّرت أن أشاهد مسلسل آمرلي حاولت جاهداً أن أتخلّى عن عاطفتي ووطنيتي تجاه المكان والزمان والشخصيات والحدث, وأحاول أن أكتب بحياد تام ففشلت لمرّات عدة لكنّي في النهاية وصلت إلى حياد فنّي مقبول الى حدّ ما.
وبدأت المشاهدة مرتبكاً نوعاً ماً, وبدأ المشهد الأول الجميل المعلّم (علي) والمعلّم (حسان) وهما يقودان الطلبة بلقطات (درون) من الأعلى تكشف عن آمرلي وأهلها الطيبين, يغنّون "أدعوك يا إلهي يارافع السماء" وحوارات متبادلة تكشف عن مدى الرابطة القوية مابين الصديقين (علي وحسان) ثم يلتقيان بـ(فوّاز) سائق العربة الذي يرافقه دائماً ولده الصغير وهما يرقصان في منتهى الجمال على أنغام الـ(دي جي) الذي يرافقهما في مقدّمة العربة, وفي هذه الحركة الجمالية محاكاة للعالمية.
وتعدّ هذه البداية من أروع البدايات الدرامية كونها تساهم وستكون العمود الدرامي الرئيس لبناء الأحداث من البداية إلى النهاية, وستحتضن هذه البداية الأحداث التي تتفارق مرّات وتتفق مرّات أخرى. يبدأ الاتفاق فيها حينما يجتمع رافد وعلي وثالثهم حسان, وهذا يتبيّن من حوار علي مع رافد بأن حسّان كان ثالثهم في رحلة المدرسة.
وهذا الثالوث الدرامي سيكون محرّكاً أساسيّاً للأحداث المهمّة في المسلسل. كل هذا يدور بحضور عائلة رافد وفوّاز وابنه عبد الله. وهنا اكتمل الموضوع وبانت كثير من الأشياء المهمة منها عودة عائلة رافد المتكونة من زوجته الدكتورة وأمه المصابة بالسرطان والتي تريد أن تموت في بيتها آمرلي, ويلتقون بالعقيد ورفاقه.
لحد هذا الجزء, وهذا السرد المنطقي الذي يخفي بين ثناياه الكثير من الأحداث التي ستكون مركزية من حيث تأثيرها وتأثّرها, وفي مجملها ستمسك مقود الأحداث المهمّة التي تؤثّر سلباً وإيجاباً على أحداث المسلسل الذي يقتبس من الأحداث الحقيقية الكثير من الدراما المؤثّرة, لكنه يقتصد الكثير من الموت والألم والدمار وله الحق في ذلك, لأن الموت شيء فضيع جداً إذا كان بهذه الطريقة البشعة التي يغلّفها نداء يصيح الله أكبر, ونداء آخر مقابل يصيح الله أكبر, ومابين الندائين شعب بريء يموت.
هذه المجموعة التي شاهدناها ستكون هي المحرّك الرئيسي للأحداث, وهي التي ستشعل الأحداث ومن ثم تطفئها من خلال الانقلاب الدرامي الذي يقوده المعلّم (حسان) واختلافه الانقلابي في كل شيء مع صديقه الأزلي (علي), فبعد أن كان يدافع عن حق (أبو ثائر, عم زوجته وعم علي) في الأرض ويواجه والده بذلك ويقول له "هاي كاع أبو ثائر وبيهه سند", ثم اختلف معه اجتماعياً ومبدئياً وانقلب ليقف مع الشيخ الداعشي (أبو أنس), لكن هذا الانقلاب لم تكن معالجته وافية ومقنعة ولم تكن مبرّراته كافية وكانت أقلّ من الفعل, حتى لو كان جوهر الاختلاف بسبب سرقة زوجته (أخت علي) للعقد الذي يثبت حق عمّها أبو ثائر في الأرض, لكنه في النهاية ضرب زوجته ضرباً مبرحاً وطردها, بل طلّقها بسبب سرقتها العقد وأرسلته لعمّها ليثبت حقه في الأرض.
بالطبع من حق حسّان أن يغضب لكن ليس من حقه أن يترك ولده وزوجته ويصر على طلاقها وينصب العداء مع أعزّ أصدقائه (علي) وهو الذي وقف ضد والده لأن والده كان على باطل! لماذا أراد المسلسل أن يخلق هذه الفجوة غير المقنعة التي ستقود جميع الأحداث القادمة إلى كوارث كثيرة بدأت بهذا الاختلاف غير المقنع واكتمل حينما ناصر حسّان (الشيخ الغريب الإرهابي) وحارب ضد أصدقاء طفولته وأهله وأبناء منطقته, ثمّ ماذا أراد المسلسل أن يقول ؟ هل أراد أن يضع فارقاً مابين سكّان آمرلي الحقيقيين وغيرهم (لا أقصد الدواعش)؟, ولو قارنّا الكفتين لوجدنا أن هناك خللا كبيراً في المعادلة, ولا يهمّني إن كانت تلك الإحداث هي حقيقية لأنّي أمام عمل درامي كبير, ومعالجة الأحداث يجب ان تكون مرسومة بدقّة درامية مقنعة.
(ملاحظة الموضوع طويل نوعا ما, لذا سيكون على ثلاثة أجزاء) مع الشكر والاعتذار من الجميع