كتب : علي الغريفي
قبل قراءته تعمدت نشر مقال الدكتور حسين القاصد (الصورة السيرية في مسلسل العشرة) ؛ لثقتي بما يكتب ويموضوعيته فضلا عن رؤيته وامكانيته العالية ، وبعدها قرأت المقال حتى وصلت الى عبارة ( العشرة المبشرون .. ) وهنا توقفت لماذا لم يكتب القاصد (المبشرون بالجنة ) ؟ لا اظنه يخاف او يحاذر من قول الحق !!
نعم انهم مبشرون بالجنة ، أليسوا شهداء ؟ كما ان ( العشرة ) هذا التسلسل الدرامي المبهر هو اول
استثمار حقيقي للحظة انبعاث وطني -( اضعناها مثل غيرها ) - ،انبعاث لهوية عراقية نهضت مثل طائر العنقاء بعد ان غطتها سنوات من الجمر والرماد والاحتراق اليومي بعشرات المفخخات والعبوات الناسفة والانتحاريين ، لحظة انبعاث لهوية وطنية امتزج فيها معاني الدم الجنوبي بحروف اللهجة المصلاوية وبلاغة استغاثة المنهوبين والمسبيين والمهجرين ، لحظة تجاهلتها قوى السلطة ولم تفلح في استثمارها وطنيا لتكون ذاكرة وترسانة لحماية الدولة في تحديات التغيير السياسي والمجتمعي وتحولت الى لحظة بروتوكولية اقصى ما يمكنهم في استذكارها تغريدات وبيانات لم ولن تنصف شهقة ( يمة) كتلك التي صرخت فيها الاء حسين عندما عرفت مكان اصابة اخيها .
لماذا صرخت الاء ( يمه) ولم تصرخ ( بوية) او (خوية ) او ( احوه) وهي تلطم خديها؟
يقينا ان الاء العراقية تعلم ان الام هي تعويذة الوجع والتضحية وان الام ذات ترانيم الدللول ونعاوي الفقد الكبير ؛ لكنها كما اي ام او اخت او حبيبة او ابنة صرخت بفطرتها العالية ( يمة) ، تلك اللحظة والصرخة التي كتبت التاريخ . وهي المرة الاولى التي اشعر فيها حقا (ان التاريخ يكتبه المنتصرون ) . فكل تاريخنا كتبه المنهزمون بالفعل رغم هيمنتهم على الواقع .
مَن منا لم يعش لحظة قلق امه وخوفها عليه وسماعه صرخة ( يمة) منذ الطفولة حتى لو اصيب بخدش بسيط ؟ انها لحظة ارشفة الوجع ليبقى شاخصا في زمن الفجيعة .
لقد تزامن مسلسل العشرة مع العديد من المسلسلات الرمضانية في الدراما العراقية ؛ ولكن الفارق هو ذلك الخيط الرفيع الفاصل بين الحقيقة والوهم ، بين وهم سرديات ( ليلة السقوط ) التي تجاهلت الحقيقة وفتوى النصر وايام التحرير ، وبين حقيقة (العشرة المبشرين بالجنة ) ، ذلك الفاصل بين سرديات ( الكاسر) وتضليل الواقع وتشويهه وبين حقيقة ( الغيرة ) الجنوبية وهي تقترض مبلغ الالتحاق لجبهات الموت والاستشهاد ، وبين سموم ( دفعة لندن ) وضحالة الفكرة.
لقد نفض مسلسل ( العشرة ) عن ذاكرتنا الكثير من الشوائب والرواسب والرثاثة ، واعادنا للحظة انبعاث وطني لهوية وطنية تقدمت كثيرا في كينونتها على كينونة السلطة وماسكيها وفشلهم في بناء مؤسسة للذاكرة .
لقد فعل خيرا الكاتب الركابي حينما اختصر السلسة الدرامية بعشرة كي لاتفقد مايتحقق لها من زخم جماهيري وتعاطف مهول ، فالف تحية له وللمخرج علي حداد ولكل الكادر ولاسيما الاء حسين وخليل فاضل ولايفوتني ان اختم بالنصيحة لقنواتنا الفضائية ان الحقوا (بالرابعة ) كي تدركوا الفتح .