كتب : الاستاذ حسان الحديثي
منصور رحباني احد اهم فلاسفة العصر الحديث واحد الذين أسسوا لفلسفة الحياة والموت بنظرة اجتماعية حديثة، بل هو احد اهم المحاولين تبسيط النظرة الفلسفية لثنائية الحياة والموت، وهو ايضاً احد المنظرين المؤمنين بان حتمية الموت اهم سبب من اسباب استمرار الحياة، ويجب ان يموت جيل لينشأ جيل، وقد اتخذ من نفسه وحفيده كريم مثالاً عظيماً على ذلك يقول فيه:
يجب أن يكون هناك موت، حفيدي الصغير كريم هذا الصبي الحنون والمحب، لو شعر لحظةً واحدةً بأنه من الممكن أن يبقى جدُّه الى الابد فان صراعاً فورياً سيبدأ بيني وبينه لإزالتي من طريقه، سيحاول قتلي بلعبته الصغيرة ...
فيجب ان يموت الآباء ليعيش هولاء البرابرة الصغار، لانه لو سيطر الاسلاف سيذبل بهاء العالم.
ولا اظن هذه الفكرة كانت بعيدة عنه حين كتب هذا الكوبليه الهائل الجمال الواضح الفلسفة في قصيدة يا دارة دوري بينا، يقول فيه:
تعا تَ نتخبّى من درب الأعمار
وإذا هنّي كبروا نحنا بقينا صغار
وسألونا وين كنتو، وليش ما كبرتوا إنتو
منقلّن نسينا
واللي نادى الناس، تَ يكبروا الناس
راح ونسي ينادينا
لان عقله الباطن يقول التضاد مما ذكر، ذلك أيمانه ان الذي نادى الناس لا ينسى احداً ابداً، لانه الموت.
في الاوساط الأوروبية -ولرفع قيمة الوقت- تتكرر عندهم مقولة : Time is Money اي: الوقت مال.
والحقيقة هي ان الوقت اغلى قيمةً من المال، ذلك ان المال يُربح ويُعوض ويُستعاد، اما الوقت فطريقه استمرار بلا توقف وهو يمثل الحياة وطريق الحياة باتجاه واحد لا رجعة فيه، وما يتساقط فيه من جيب الاعمار تأخذه ريح الزمن الى غير رجعة حتى تسلمه بيد الأجل.
ساتوقف عند هذا الحد، وكنت ساستمر وأُسهِب وأُطيلُ واطنب، ولكني اخشى عليكم ...
صباح الخير لمن آمن بأن الوقتَ مال.
والف صباح الخير لمن عرف انه أجَلُّ وأعلى، وأثمن وأغلى.