عبد العليم البناء
الصحفية والكاتبة والمترجمة المثابرة منى سعيد الطاهر زقت الثقافة زقاً منذ نعومة أظافرها، حيث ولدت ونشأت في بيت مدني ثقافي، ووعت نبض الثقافة العراقية منذ طفولتها. فلقد واصلت إنتماءها لعوالم الثقافة بتجلياتها المختلفة لتصبح من أبرزالناشطات المتنورات في هذا الميدان الحيوي دون نكوص أو تراجع، وتقحمت الصعاب من أجل هذا الفعل الثقافي المؤثروالعميق الذي تمخض عن سلسلة من العطاءات الصحفية والثقافية المتنوعة.
وفي هذا السياق وبعد سلسلةمنالإصدارات والتجارب الإبداعية المتنوعة التي تميزت بشموليتها من خلال خوضها العمل الصحفي والثقافي والإعلامي والأدبي والترجمي في أكثرمن مرفق داخل وخارج العراق ناهيك عن سلسلةمن الإصدارات المتنوعة، يجيء كتابها الجديد (صانعوالجمال .. حوارات في الثقافة) الذي صدرعن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب ويقع في (٣٧٨ ) صفحة من الحجم الكبير.
الكتاب يعد بمثابة وثيقة تاريخية وأدبية، وضم مجموعة حوارات صحفية أجرتها الطاهر على مدار (40) عاماً، وبلغ عددها (61) حواراً مع كوكبة من رموز القوة الناعمة وصناع الجمال في مختلف مجالات السياسة، والثقافة، والفنون، والموسيقى، والاقتصاد، والطب، وغيرها، من العراقيين والعرب، بعد غربة دامت عشرين عاماً عن العراق، ونجاتها – بعونه تعالى- من (الكانسر) ، إذ تميز هذا الكتاب بحفريات منى سعيد الإبداعية التي تميزت بالوعي والعمق الثقافي الذي كان المعادل الموضوعي لهذه القامة الثقافية والإعلامية البارزة، التي تضاف – بفخر- الى قائمة نخبة من النساءالمتنورات والمتصديات للهم الوطني والإنساني المندك بالهم الثقافي والابداعي الذي يحتاجه وطنها العراق والإنسانية جمعاء، لتحقيق طموحها في طن سعيد ومشرق بتحقيق كل الأمنيات.
في تقديمه للكتاب الذي جاء تحت عنوان (منى سعيد والحوار فناً أدبياً ) أكد الشاعر والكاتب والصحفي السوري عبد الله الحامدي، ان " حوارات (منى سعيد) تثير الشجون ، مثلما تفتح نافذة واسعةعلى عصرنا مازلنا نحاول فهمه ، وفهم انفسنا أيضاً من خلاله، وقبل ذلك كله ان نضحك ملء القلب: فالقلب برغم الأحزان تبقى حلوة. ولعل العبارة الأخيرة هي الأقرب لشخصية منى سعيد والرسالة التي تود إيصاله الى القراء".
الحامدي الذي كان من بين الذين حاورتهم منى أكد أيضاً " كان حوار (ابنة أرض السواد ) معي الأكثر حيوية وصدقاً"، وهو بذلك يدلي بشهادة صادقة بحق هذه المحاورة التي كانت ومازالت ذات سمات صادقة في نتاجاتها وعطاءاتها وابداعاته وعلاقاتها الثقافية والانسانية، وتبرز من ثنايا هذه الحوارات التي ضمها الكتاب وتنطوي – كما يرى الحامدي- أن (القاريْ) سيطلععلى"تفاصيل من حياتهم وأحاسيسهم وأفكارهم لن يقرأها إلا هنا، في هذا الكتاب الذي يضم بين دفتيه حوارات منتخبة مختارة من أدباء وفنانين من مختلف الأقطار والأجيال، يمع فيمابينهم خيط لا مرئي نسجته الطفلة والجدة العراقية خفيفة الظل والروححفيدة شهرزاد راوية (حكايات ألف ليلة وليلة)".
القاريء والمتتبع للسفر الإبداعي لمنى سعيد الصديقة، والزميلة، والأخت، يجده حافلاً وطرزاً بعديد العطاءات الثرة التي قدمتها على طبق من ذهب للقراء والمتلقين بمختلف مشاربهم، فقد خاضت مجال الترجمة ،وهي الحاصلة على البكالوريوس في اللغة الألمانية وكان لها، هنا، أكثر من أثر إبداعي رصين، وهكذا كانت في الصحافة التي صالت وجالت فيها رفقة كبار صحفيي العراق والعرب وفي في أبرز الصحف والمجلات في الداخل والخارج، وهكذا كانت عبر إصداراتها التي شملت القصة القصيرة والرواية والمقالة وأدب الطفولة ، ناهيك عن البرامج الثقافية التلفزيونية في قنوات فضائية عربية مهمة ورصينة، والتي كانت وجهها الإبداعي الآخر، مستندة في ذلك كله الى قاعدة عائلية مناضلة أرضعتها وزرعت فيها أبجدية النضال، كما أرضعتها أبجدية الثقافة التقدمية، لتقترن برفيق دربها الشهيد الفنان والصحفي سامي حسن العتابي التي كانت صنوه الابداعي، وكل ذلك كان ذخيرتها الأوفى التي حققت لها هذه المكانة كصانعة جمال من الدرجة الأولى، لتحاور أقرانها من (صناع الجمال)...لتستخرج كنوزهم الإبداعية الباهرة الأصيلة.