كتب : كاظم نصار
كان يمكن لطقوس التعزية أن تتحول وتتطور الى مسرح محلي عراقي شبيهة بالطقوس اليونانية لأنها تمتلك عناصر الدراما (الراوي والمؤلف والممثلون والمتفرج والمنتج وعمال المسرح ومكان العرض والجوقات والتشابيه)، بل يمكنها أن تكون ظاهرة مسرحية عربية وعالمية.
فرجة مسرحية تراجيدية ..ولدت هذه الطقوس في القرن الرابع الهجري ومنعت رسمياً عام 1002 كما منعت في السبعيينات من القرن الماضي بالدبابات، وسبب عدم تحولها وتطورها الى مسرح عراقي وحسب الباحثين هي:
أولاً. تحفظ وخوف الحكومات من هذه الطقوس لئلا تتحول الى معارضة علنية متراكمة.
ثانياً. أغلب من درس في أوربا وأمريكا وروسيا كانوا يريدون نقل تجاربهم التي تعلموها هناك بدلاً من البحث في هذه الطقوس وتأثيرها وتحولها الى مسرح ...
ثالثاً. بالرغم من وجود حركات فكرية كالتصوف والمعتزلة وإخوان الصفا والقرامطة إلا أن أغلب المثقفين يتحاشون هذه الطقوس ويتفادونها ويعتبرونها ممارسة شعبوية لاصلة لهم بها.
العزاء والتعزية والمناحة العراقية مستمرة منذ عزاء كلكامش على صديقه أنكيدو مروراً باستشهاد الإمام الحسين من أجل إصلاح أمة جده وصولاً الى مايجري اليوم.
وهنا أظن أن باستطاعة بلادنا من إنتاج فيلم سينمائي محترف بالتعاون مع خبرات إقليمية وانتاج معقول بتقديم رؤيا لهذا الحدث التاريخي الفاجع والعبر المستقاة منه، فالعزاء هو عزاؤنا والجغرافيا هي ذاتها كربلاء والفرات هو هو، والتلال والهضاب والعمق التاريخي والاحساس المتراكم للوعي الجمعي وكأن الحادثة جرت أمس وكذلك سلالة القبائل التي دفنت جثة الحسين ورأسه الشريف مازالت تتمثل الحادثة كل عام، ثم الارض وخارطة الطريق التي سار عليها الحسين وأصحابه واستشهد هناك ..ثمة طيف ينتقل بين العراقيين كل عام وكل ذكرى فتسيل دموعهم حرى على استشهاد الحسين وفاجعته..
وحسب الروايات فإن الحسين عقد أكثر من سبعة - مانسميه اليوم- مؤتمرات صحفية في المدن التي مر عليها لاأعرف مدى دقة تلكم الروايات وهو سعى لشرح مراميه وأهدافه، وكان يحضر لهذا الاحتجاج وهذه المعركة التي قال اعداؤه أنهم سيواجهونه بقوم لايفرقون بين الإبل والبعير ...يحضر لها منذ وقت طويل..
يسمع العراقيون مقتل الحسين بصوت عبد الزهرة الكعبي وحمزة الصغير منذ عشرات السنين وسيظلون كذلك كل عام...والأهم أن نتذكر أهدافه في الاصلاح والنهضة :"لم أخرج أشراً أو بطراً ....وإنما خرجت لإصلاح أمة جدي رسول الله "
أتذكر إن إحدى الإذاعات الدولية أظن أنها (مونت كارلو) وفي أحد برامجها قدمت سؤالاً لمستمعيها: من هو أغنى رجل بالعالم ؟ وبعد ذكر اسماء عدة جاء صوت إحدى المستمعات وقد قالت :
إن أغنى رجل في العالم عبر التاريخ هو الإمام الحسين لأنه منذ آلاف السنين مازال العالم يأكل من كرمه وجوده وقدوره المتناثرة في الطرقات والأزقة والبيوت..
كانت لفتة نادرة يقشعر لها البدن.. السلام على الحسين في ذكرى عاشوراء ..وذكرى نشيدنا كل عام..
ياحسين بضمايرنا
صحنا بيك آمنا
لاصيحة عواطف هاي
ولادعوة ومجرد راي
هذي من مبادئنا صحنا
بيك آمنا