كتب : عز الدين المانع
إن عملية السقوط والتغيير التي نفذتها قوات التحالف قبل عشرين عاما بالتحديد , وشملت عموم البلاد , كانت مبرمجة ومعبأة بالسموم ومخططا لها منذ أعوام .. وقد أعدت لها الوجوه الكالحة والكتل المتحاصصة والمنتقاة على أسس طائفية وعرقية ولا تحمل الولاء للوطن , للقيام بمهام أول ( مجلس للحكم ) بعد التغيير وكتابة الدستور على وفق المخطط الي أعده الحلفاء يرغم عدم امتلاك معظمهم للشهادة الجامعية أو الخبرة والكفاءة والنزاهة القيادية .. وليست لديهم أية ممارسة إدارية أو مهارة قيادية , فكانت الحصيلة – وكما كان مخططا لها – فوضى وانحدار إلى الحضيض وصراعات على المقاعد والمواقع الرئاسية , ما أدى إلى تدمير كل ما هو حضاري ونزيه , وأتاحت المجال للدمى الغوغائية والطائفية و ( نشامى الحواسم ) لتنهب وتخرب وتحرق كل ما تحتويه مؤسسات الدولة ومعاهدها وجامعاتها ومصانعها ومؤسساتها الصحية والثقافية والتراثية ودوائرها الخدمية من أثاث ومحتويات وأجهزة علمية وطبية وتقنية , ولم تبق فيها شيئا سوى الركام والأنقاض والهياكل الخاوية .. وراحت الأصابع المسخرة والمدربة تستهدف حتى مراكز البحوث وتلاحق كوادرها المتخصصة وعلمائها , وتغتال من لا يغادر موقعه طوعا , وترغمه على الرحيل إلى بلاد الغربة وقلبه ينزف بالحنين لوطنه ..
لقد توقفت قبل أيام أمام كتيب بعنوان ( خواطر وذكريات ) لمؤلفها الدكتور حكمت الشعرباف عميد كلية طب بغداد الأسبق وهو يشير فيه إلى يوم التاسع من نيسان عام 2003 ( الذي يمثل يوما حاسما كيوم اجتاحت فيه جحافل المغول دار السلام .. وإنه في الوقت نفسه يمثل سقوطا إخلاقيا لبعض ساكنيها ) ..
ويتسائل الدكتور الشعرباف بمرارة وحسرة : ( من كان يصدق مثلا إن شعبا أو أفرادا من هذا الشعب يقومون بإنزال المرضى في المستشفيات من أسرتهم إلى الأرض , من أجل أن يستحوذوا على سرير حديدي لا يساوي ثمنه بضعة دولارات ؟؟ ومن كان يظن يوما إن قردا من هذا الشعب لا يتورع أن يدخل – مصحا – يحوي بؤساء أصيبوا بأمراض عقلية فيستولي على أسرتهم وممتلكاتهم المتواضعة , ويقوم بقلع أبواب المصح وشبابيكه ويترك هؤلاء البؤساء يجوبون شوارع المدينة الكبيرة , , لا يدري أحدهم من يكون , ولا أين يذهب ؟؟ ولم يختلف الحال في مركز لرعاية الأيتام الذين ظلوا في الميتم دون طعام أو كساء , وراحوا يتسكعون في الشوارع دون مأوى ) ؟؟
ولعل ما يحز في النفس ويماؤها أسى ( أن تجد بين هؤلاء السراق من لم تكن الحاجة دافعة لنهب المال العام وبهذا الإسلوب الرخيص .. فقد سجلت وسائل الإعلام صورة لشخصية معروفة وهو يحمل بعض مقتنيات أحد القصور الرئاسية .. وحين عوقب على فعلته المشينة , أدعى إنه هاو للتحف الفنية , وإن ما قام به هو خشيته من أن تقع هذه النفائس بيد من لا يعرف قيمتها ) ..
وهكذا هي تبريرات الفاسدين الذين تصاعدت أعدادهم وأساليبهم خلال هذه الحقبة المريرة التي يعيشها العراقيون ..
إنها ( ذكريات وخواطر ) مأساوية ومحبطة فعلا أن يصاب شعب العراق المعروف بأصالته وتضحياته وبطولاته ونبله بمثل هذه الوباءات الوافدة التي راحت تشوه تقاليده وعاداته وأخلاقه النبيلة , وراحت تمتد إلى أبعد ما يتوقعها الإنسان النزيه .. مما يؤكد إن وراء هذا التصعيد الفاسد والإفرازات المعدة خصيصا للعراق لم تكن سوى زوبعة طائشة ما زالت تدق نواقيص عنفوانها , وتفترش مساحات أوسع وتعشعش في أحضان بعض الحثالات الوافدة والمحروسة بعناية ( الشيطان الأكبر ) ..