زحفت الحشود المليونية على مدى أيَّام متواصلة باتّجاه مدينة الكاظمية المقدّسة لإحياء ذكرى استشهاد الإمام موسى الكاظم ( سيّد بغداد وحاميها ) وقد توافد الزائرون من كل صوب في أوسع ( ماراثون إيماني ) عبر الطرقات المؤدّية إلى بغداد وشوارعها الرئيسة المحدّدة لمسيرتهم الراجلة باتجاه المرقد الشريف تحت حماية مشدّدة من قبل القوات الأمنية , وبرغم بعض المحاولات اليائسة التي استهدفت هذه الحشود الهادرة لإثارة الفتنة الطائفية بين أبناء الشعب العراقي الموحَّد , إلّا أن طقوس الزيارة المليونية حقّقت هدفها بفضل وعي المشاركين في هذا ( الماراثون ) الفريد وتمسّكهم بمبادئ الإمام الكاظم عليه السلام ألّذي استطاع عبر تصديه الحازم للسلطة العباسية الحاكمة آنذاك بقوّة صبره وصموده وإيمانه أن يبقى خالداً على مدى الدهور وعَلَماً من أعلام الجهاد والدفاع المقدّس عن العقيدة والمبدأ والإيمان .
وقد حفّزتني هيبة تلك المسيرة المليونية ورهبتها إلى إعادة تصفّح محنة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام , ألّذي قضى في بغداد بضع سنوات بين الإقامة الجبرية في أحد أحيائها , والسجن الخاص في سجونها , وكان البغداديون يدينون بالولاء الظاهر للسلطة , لكن ولاءهم الحقيقي للأولياء وفي طليعتهم أهل البيت عليهم السلام وفي كتاب ( بغداد مدينة السلام ) للدكتور حسين أمين رحمة الله عليه , يتحدث عن الإمام الكاظم يقول ( كان الإمام معروفاً بالصبر والوفاء والكرم وحسن التقوى ولشدّة حلمه وتجاوزه عن المعتدين غلبت عليه صفة الكاظم وكانت من أهم صفاته لكثرة كظمه الغيظ , وكان يسمى العبد الصالح من عبادته واجتهاده وقال ابن الأثير أنه كان يحسن إلى من يسيء إليه وكانت هذه عادته أبدا ) .
سلامٌ عليك يا راهب بني هاشم ومستودع الزهد والصبر والتسامح , وأشهد أنّك لو بُعثت اليوم لرأيت ما لا ترضاه ولا تتمناه في بغداد ولقلت لبعض من يمسك بمقاليد السلطة أنّكم أكثر عِداءً لي ممن أسكنوني في غياهب السجن ودسّوا السُمّ لي في الطعام , فما أحوجنا اليوم إليك يا سيدي لتكشف عن وجوه من يدّعون المحبّة لك أقنعتهم , وتتركهم على مسرح الأحداث على حقيقتهم الزائفة , لصوصاً وشياطين , ومثيرين للفتن والمهاترات السياسية ليس إلّا ..