بعد ان فاحت فضائح السرقات والعبث المتعمد بالصروح التأريخية والإنسانية والحضارية عقب دخول القوات المحتلة الى البلاد ، اصدر مجلس الامن الدولي قرارهُ المُرقّم 483 لسنة 2003 الذي دعى فيه جميع دول العالم الى اعادة الاثار العراقية التي نهبت منه ..
وانسجاما مع هذه الدعوة الاممية اعلن المكتب المركزي الوطني في (ابو ظبي) انذاك بان مفتشي الكمارك لديهم قد ضبطوا كمية كبيرة من القطع الاثرية العراقية والتي يعود تاريخها الى خمسة الاف سنة مخبأة في باطن احدى السفن القادمة من ايران .. وبالتأكيد فإن ما أُعلن عنه او كُشف عبر وسائل الاعلام لا يشكل سوى جزء يسير مما نُهب
وكانت اثارنا قد تعرضت بعد سقوط النظام عام 2003 الى العبث والنهب والتخريب فقد استوطنت بعض قطعات القوات الغازية معظم المواقع الاثارية المهمة واقامت عليها بكل عددها ومعداتها ، وكأنَّ أرض الله لا تتسع لها الا في هذه المواقع والكنوز التاريخية ، لتفقدها نكهتها الحضارية العريقة وعبق الماضي التليد ..
وكانت دائرة الهجرة في الولايات المتحدة الامريكية قد كشفت عقب الاحتلال عن (كنز عراقي قديم يعود الى العصر السومري) ثم اخفاؤه في حاوية امريكية في ( جاكسونفيل ) وان العاملين ضمن الفريق الطبي المرافق للقوات المحتلة هُم الذين قاموا بإخفائه خلف عدد من اللوحات الفنية النادرة والمقتنيات المسروقة الاخرى من القصور الرئاسية والموسسات الحكومية المهمة !!
ولا شك ان استيطان القوات المحتلة بالمواقع الاثارية والتراثية المهمة بالذات لم يكن اعتباطا ، فالهدف الاول يقضي بازالة واتلاف هذه الشواهد التاريخية واخفاء الرموز والصروح الحضارية القديمة لبلاد ما بين النهرين ومحوها من ذاكرة التاريخ ..
والهدف الثاني هو نهب النادر من هذه الاثار كغنائم او تهريبها لتباع على اثرياء العالم من هواة جمع الاثار ، سيما وان الكنوز التاريخية العراقية كانت لا تزال محط اطماع الكثيرين ممن يتاجرون بالاثار !
وان قانون الاثار والتراث العراقي رقم (55) لسنة 2002 (اي قبل الاحتلال بعام واحد ) ينص على حماية الارث الحضاري (الذي يشمل الاموال المنقولة وغير المنقولة التي بناها او صنعها او نحتها او انتجها او رسمها او صورها الانسان ولا يقل عمرها عن مائتي عام وكذلك الهياكل البشرية والحيوانية والنباتية ) ، وحدّد المُشرّع في هذا القانون العقوبات لمن يخالف احكامه !!
وبرغم وضوح هذه الاحكام وتفصيلاتها الوافية ، لم نسمع ان القضاء العراقي قد حكم على العابثين او المخربين او المهربين او المُنقّبين من دون موافقة بواحدة من هذه العقوبات والاحكام الواردة في القانون ..
فمتى يُنفّذ القانون بحق سُرّاق هذا البلد الجريح وناهبي ثرواته الوطنية والعابثين بآثاره وتراثه ، برغم الانباء التي ما زالت تتوالى بهذا الشأن وتكشف المزيد من الخفايا ، دون ان يتحرك المعنيون في البلاد لمُلاحقة العابثين والسُّراق - الدوليّين والمحلّيّين - ؟!